قال الله سبحانه وتعالى في سورة الشعراء:
“وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ . أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ”
صدق الله العظيم
قال ابن عباس رضي الله عنه : فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ أي من أودية الكلام، وقال مجاهد: “أي في كل فن”، ويعني أنّ المقصود بالأودية التي تكلّم عنها القرآن الكريم هي فنون الشعر كالهجاء والذم، والثناء والمدح، والحماسة والغزل والرثاء وغيرها من فنون الأدب الشعري.
الوصف القرآني فيه شديد البلاغة لأنه يدلّ على اجتماع كل طائفة بما تهوى في وادٍ من الأودية، والعرب كانت تقول عند اختلاف الرؤى: أنت في وادٍ وأنا في واد، فالشعراء يتنزّلون على كلّ طائفة بما يشتهون من الكلام كما ينحدر الهاوي من أعلى الجبل إلى الوادي، أو ما يعرف بلسان العصر الحديث:
“برنامج ما يطلبه المستمعون”
فكانت الشعراء في العصر الجاهلي تضطر إلى الكذب لإرضاء الغاوين من المستمعين، وأكثر ما يكون الكذب في فنّ المنافرة !!
والمنافرة – لمن لا يعلم – هي مصطلح عربي قديم جداً معروف من أيام الجاهلية قبل الإسلام ويعني المحاكمة بين طرفين في الجاه والشرف، وتكون في العادة عند التنازع على الزعامة السياسية أو الزعامة القبلية ونحوها ويستعمل فيها الشعر والخطابة وغيرها من أبواق الدعاية القديمة، ويمكن تشبيهها في العصر الحديث بالحملات الانتخابية كالمناظرة بين المتنافسين في الانتخابات السياسية، ولذلك نرى أنّ أكذب البشرية في عصرنا هم الساسة أهل السياسية خلال منافرة الانتخابات السياسية.
عادة قديمة جداً، فإذا انتهت الحملة الانتخابية تبيّن للناس أنّ أكثر الشعارات والكلمات الدعائية هي مجرّد خوازيق انتخابية ليس غيرُ.
كما تبيّن بالتجربة الواقعية خلال العقود الماضية أنّ أكذب الوديان في دول العالم الثالث – للأسف – هي أودية الأحزاب الدينية السياسية [إلا من رحم الله] لأن الكذب فيها يرتقي إلى درجة الدجل والشعوذة والكذب على الناس باسم الله القائل في محكم التنزيل:
“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا”
ما زلنا في فوائد عام الرمادة فللحديث بقيّة …