تتمة فوائد قصة يوسف – عليه السلام –
الوقفة الخامسة :
“وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ” ….
“وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ، وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ”
يُستفاد منها ضرورة تطوير منظومة البحث القضائي للتنقيب عن الحقيقة الكاملة، فربما كانت الجريمة بدافع شخصي من الجاني أو المتهم، وربما كانت هنالك جهة أخرى هي التي دفعت إلى الجريمة، وهذه الآية الكريمة من الشواهد القرآنية التي يستشهد بها الفقهاء في التفريق بين الإكراه الملجئ وغير الملجئ، والملجئ هو الذي تُسلب فيه الإرادة وينعدم فيه الإختيار كما غلّقت الأبواب على يوسف عليه السلام.
الوقفة السادسة :
“وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ، قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي”.
تهمة من العيار الثقيل “محاولة اغتصاب بالعنف” عقوبتها السجن أو الإعدام، ومن سوء الحظ أنّ الواقعة وقعت في قصر “رئيس الشرطة” ومنه تفهم كيف تمكّن المسؤول الأول عن الأمن الداخلي من قلب التهمة على المظلوم، وكيف تمكّن من العبث في مسرح الجريمة وإخفاء الأدلة الظرفية الجنائية! فعن أي عدلٍ تتحدثون وعن أي أمانٍ تتكلّمون إن عجز القضاء عن التحفّظ على مسرح الجريمة ؟
الوقفة السابعة :
“وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ”
يستفاد منه وجوب ضبط معيار منظومة الميزان القضائي، فالقضاء يجب أن يقف عند نقطة الصفر لا إلى هذا ولا إلى ذاك، والشاهد الحكيم حكم بقرينة القدّ انطلاقاً من نقطة الصفر لأنه لم يكن قد اطلع على القميص.
“فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ، إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ”
الوقفة الثامنة :
“يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا، وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ، إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ”
انظر كيف أُمر الضعيف بالصمت والتكتّم على الحقيقة الكاملة وكيف دفع إلى التوقيع على اعتراف مزوّر أو مبتور !
و”اسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ” يعني أن العزيز “رئيس الشرطة” قد عرف الحقيقة وتوصّل إلى الجاني الحقيقي، لكن لخَلَلٍ ما في مكانٍ ما من المنظومة القضائية قلبت التهمة وحُكم على البريء المظلوم بالحبس !