الانقلاب التركي وتشبيه جماعة الخدمة بحركة الحشاشين

من أشهر مقالات المفكّرين من علماء الاجتماع والعلوم السياسية قولهم:

“التاريخ يعيد نفسه”

ولمّا كانت النفس البشريّة بطبعها تنفر من الوِحْدة والغُربة وعدم النظير وتأنَس بالشبيه والنظير كان ضربُ الأمثال للناس مِنْ أشهر وأقدم وسائل التعليم الإنساني.

ضربُ الأمثال بالأشباه والنظائر يُؤنس السامع، ويُقرّب المراد، ويجلّي المعنى فيزداد ظهوراً ووضوحاً ولذلك قال الإمام ابن القيّم رحمه الله:

“الأمثالُ شواهد المعنى المُراد”

وعليهِ؛ لَمْ يكن مستغرباً أن يستشهد أحد طرفي النزاع السياسي في تركيا بالأمثال والنظائر من الأحداث والشخصيّات التاريخية لوصف خصومه وتشخيص الحركة الانقلابية، وهذا ما كان بالفعل عند أول لقاء صحفي جمعه بأحد كبار الإعلاميين الأوربيين عقب المحاولة الفاشلة للانقلاب عليه، حيثُ شبّه ندَّه وغريمه “فتحَ الله غولن” بالحسن بن الصبّاح قائد حركة الحشاشين التي ظهرت في القرن الخامس الهجري!

 الساذجون كالعادة استنكروا وتعجّبوا فقالوا:

ماذا أراد بهذا مَثَلاً ؟؟؟

يستشهد بأسطورة إسلامية من الماضي السحيق وهو يخاطب إعلامياً أوربياً مسيحيّاً !!

والحقيقة أنّنا أمام داهية مجرّب مُحكّك مُحنّك يعلم أنّ حركة الحشاشين في قديم الزمان معروفة في التاريخ الإسلامي ومعروفة جداً في التواريخ الصليبيّة الأوربية الاستعمارية، ويعلم أنّ “الحسن بن الصبّاح” الذي ضُرِبَ به المَثَل كان في زمانه كابن لادن والزرقاوي والبغدادي في زماننا أشهر من نارٍ على عَلَم، لأنّ حركة الحشّاشين فتكت بالمسلمين والصليبيين جميعاً وبلغ شررها القريب والبعيد.

لا شكّ أنّ اتهام الداعية الإسلامي فتح الله غولن بالمسؤولية عن الحركة الانقلابية الفاشلة هو أمر خطير جدّاً ..

لقد عَهِد الأتراكُ الانقلاباتِ من قادة أركان الجيش والشرطة والمخابرات إلى درجة المَلْل وهذا سبب فشل المحاولة الانقلابية،  لكنْ أن يكون الشيخ الصوفي الداعية “غولن” نفسه متورطاً بالمؤامرة فتلك تُهمة من العيار الثقيل تحتاج إلى دليل قطعي فـ”جرح الأقران” – كما قلنا – يُطوى ولا يروى حتى تأتي البيّنة.

الشيخ درويشٌ كان معروفاً بفعل الخيرات، معهوداً بالتسمّح وحبّ النفع والإحسان، وقد قيل:

“مِنْ ثِمارِهم تعرفونهم”

    !!!

هنا – تحديداً – يتجلّى المكر والدهاء السياسي في ضرب المَثَل بالحشيشية لأنّ التُهمَة الخطيرة جدّاً لو ثبتت – لا سَمَحَ الله – فالحركة التي أسبغت على أطرافها لَبوس الخدمة والإحسان وخدعت الناس بالزهد في السياسة لا نظير لها إلا ما جاء في التاريخ السحيق البعيد عن حركة الحشّاشين قبل تسعة قرون.

نسخة للطبع نسخة للطبع