خروج التتر بقيادة جنكزخان على بلاد الإسلام كان حَدَثاً فظيعاً، فالاجتياح التتري كان بسرعة خارقة للعادة، هَمَجيّاً مدمّراً بلا أخلاق ولا قوانين ضابطة ..
جاس التترُ خلالَ ديار الإسلام فقتلوا الأجنة في بطون أمّهات، وهتكوا أعراض الحرائر في الطرقات، أحرقوا النسل والحرث وأتلفوا الكُتب والمصاحف، ودمّروا المساجد والتراث الإسلامي فأذلّوا المسلمين ذُلاً لم تر أمةٌ من الأمم مثله، ولذلك تردّد الحافظ ابن الأثير في تأريخ تلك الحادثة لسنوات فقدّم رجلاً وأخّر أخرى حتى عزم على الإفصاح عن بعض الفظائع والحقائق حين اقترب أجله فكان مما كتب بيده قوله :
“ولقد جرى لهؤلاء التتر ما لم يُسمع بمثله من قديم الزمان وحديثِه، طائفةٌ تخرج من حدود الصين لا تنقضي عليهم سنة حتى يصل بعضهم إلى بلاد أرمينية من هذه الناحية، ويجاوزون العراق من ناحية همذان، وتالله لا أشكّ أنّ من يجيء بعدنا إذا بَعُدَ العهدُ ويرى هذه الحادثة مسطورة يُنكرها ويستبعدُها، والحقّ بيده فمتى استبعد ذلك فلينظر أنا سطّرنا نحنُ وكل من جمع التاريخ في أزماننا هذه في وقت كل من فيه يعلم هذه الحادثة، استوى في معرفتها العالم والجاهل لشهرتها … “.
[الكامل في التاريخ ج9/336]
ومن حُسن حظّنا أن الحافظ ابن الأثير وهو العالم الفقيه السياسي أفصح لنا عن أمرين ما كُنا لنعتبر بالقصة لولا الإفصاح عنهما :
– أفصح عن البادئ بالعدوان ؛ المتسبب بالكارثة !
– وكشف لنا سرّ انهيار المسلمين، ولماذا لم تُغنِ عنهم حميّةُ الدين شيئاً ؟
قلّبوا تلك الصفحات المؤلمة من تاريخكم، فما نَفْعُ التاريخ إنْ لم نعتبر به …
التاريخ دروس وعِبَر !