ما إنْ أعلن أبو محمد الجولاني عن فكّ الارتباط بالقاعدة حتى انحلّت عقدة من عقود النحس، فرّج اللهُ بها فرجَة عن المطوّقين في “حلب”، ذكّرتنا بالحديث النبوي عن الثلاثة الذين آووا إلى الغار فانطبق عليهم الغار حتى أيسوا من النجاة، ثم أنزل الله سكينته عليهم فانساحت عنهم الصخرة شيئاً فشيئاً..
“إنّ رحمةَ الله قريبٌ من المحسنين”
إخوتي الكرام؛ إنّ بعض الخطوات الصائبة يتأخّر ثمارُها الطيّب حتى حين، وأحياناً يُعجّل اللهُ الثمرة الطيبة من الكلمة الطيّبة والخطوة الطيّبة ليُظهر بركاته في تلك الخطوة المَرْضيّة كما قال الله سبحانه:
“ولا تستوي الحسنة ولا السيّئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنّه وليٌّ حميم”
“الفاء” في اللغة العربية تفيد السرعة و “إذا” هي الفجائيّة، فالأمور يقلبها الله فجأة وعاجلاً بالخُطوة الحسنة، وقد نصحنا لإخواننا وقلنا لهم مراراً وتكراراً إنّ الحلّ في عقدة النحس الملازمة للحالة السورية هو في الفِكاكِ من المناحيس المساخيط الذين جلبوا الدمار بقَدَمِ الشؤْم إلى السودان والصومال واليمن والجزائر والعراق وأفغانستان، قلنا مراراً وتكراراً إنّ المخرج من ردغة الخبال يبدأ بخطوة حسنة واحدة كما قال الشاعر:
إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فدَعْهُ
وجاوِزْهُ إلى مَا تَستَطِيعُ
تقطّعت قلوبنا من هَوْلِ المشاهد الكريهة التي تعرضها وسائل الإعلام فيظهر فيها الأطفال والنساء والعجائز والشيوخ والمرضى والمصابين من العالقين في كُلاّب الطَّوْق ناساً غير الناس، جوههم مُغبَرّة، رؤوسهم شعثة، أرجلهم مشقّقة، ثيابهم مقطّعة، بطونهم خمصة، قد جفّت عروقهم من العطش، وزاغت أبصارهم من الكَرْب، برؤيتهم يغوص الباحث في قاموس المحيط ليستحضر أسرار اللغة العربية فيقول في نفسه:
الآن الآن، عرفتُ لماذا كانت العرب تُطلق على الحرب اسم “الكريهة”؟
لِما فيها من مشاهد كريهة عند الغالب والمغلوب، والقاتل والمقتول، كما قال عنترة بن شداد :
وإذا الجبانُ نهاكَ يوْمَ كريهةٍ
خوفاً عليكَ من ازدحام الجحفل
وأعظم مشاهد الكريهة حين ترى غالباً شديد البأس يُطبق على مغلوبٍ لا حوْلَ له ولا قوّة، يحشره الغالب في زاوية لا مهرب منها فينسلخ ابنُ آدم من الآدمية، وتنتابه جهالةُ الوحشيّة البهيمية، ويتحوّل الصراع – أيّا كان – إلى جاهليّة، وليمة سباع في غياباتٍ من الظلمات، الأمر فيها كما قال أبو تمّام الطائي:
إنّ الأسود أسود الغاب همّتُها
يومَ الكريهة في المسلوب لا السَّلَبِ