المذهب الثاني /
ومنهم من قال : إنّ تجديد الدين يكون كذلك بتطويره وتحديثه واستبدال بعض أحكامه وتشريعاته ! لكن قيّدوا ذلك ببناء التطوير على أصول وضوابط الدين الإسلامي ؟
فإن اعترض معترض بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ” .
أجيب بقوله صلى الله عليه وسلم : ” ما ليس منه ” فهو الحدّ الفاصل بين التحديث المذموم والتحديث المحمود ، فإن كان التطوير بناء على أصول وضوابط الدين كان محموداً .
يعني أن التطوير والتحديث كالشجرة الطيبة التي شبّه الله بها الكلمةَ الطيبة ، تُبذر في باطن الأرض ثم تتفاعل مع محيطها ، فإن كانت الأرض طيبة الماء والتربة اهتزت وربت فلا يزيدها المستقبل إلى علوّاً وتقدّماً وحداثةً من طور إلى طور كالنخلة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها . فالثمرة الطيبة أُحدثت بناءً على الأصل الطيب .
وبناء على القيد الذي اشترطوه في التحديث قالوا إن التطوير والتبديل لا يكون في العقائد الغيبية لأن هذا لا يكون إلا بوحي ونبوءة وقد قال الله تعالى : ” ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا نبيَّ بعدي ” .
فلا مساس بأصول العقائد الإسلامية لانقطاع النبوّة .
أما ما يتعلق بالعبادات والأحكام التشريعية فمنها كذلك ما يُعدّ من أركان الإسلام وشعائره وخصائصه فهي كذلك من الثوابت ومنها ما دون ذلك ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بُنيَ الإسلام على خمس ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصوم رمضان ” .
فما كان دون ذلك مما يتعلّق بالمعاملات والحياة البشرية من الأحكام والآداب الإسلامية فهو قابل للتطوير والتحديث باعتبار مقاصد الشريعة الإسلامية .
وهذا الأمر عمل به جماعة من أئمة السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى لكنه لم يظهر بجلاء ولم ينتشر على نطاق واسع لأنّ المعارف والحضارة الإنسانية كانت مماثلة للعهد النبوي . فبقدر ما يحدث من تطوير في المعارف والحضارة الإنسانية تكون الحاجة لتطوير الدين الإسلامي .
ولعلنا نذكر لاحقاً من الأمثلة والنماذج ما يقرّب هذا المعنى ويشهد لصحته .