حصوننا مهدّدة من الداخل

“لكلِّ امْرئٍ جَوَّاني وبَرَّاني، فمَنْ أصلح جَوَّانِيَّه أصلَحَ اللهُ بَرّانِيَّهُ، ومن أفسَدَ جَوّانيَّهُ أفسد اللهُ بَرَّانِيَّه”

تلك هي حكمة الفقيه سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهي مفتاح لمعالجة مشكل الإسلاموفوبيا..

الحكمة كما قلنا سابقاً لا تتجلّى بمجرّد العقل والفقه، لأنها درجة أعلى من الحفظ والفهم، الحكمة تتجلّى بحُسن التقدير، وحُسن التدبير، وحُسن الترتيب، وحُسن الاختيار، لذلك لُقّب الطبيب الحاذق حكيماً لأنه أدرى بما وَجَبَ تقديمه وما وَجب تأخيره   !

يُحكى أنّ جنكيز خان أمر يوماً بقتل ثلاثة قد قضت الياسَق بقتلهم [الياسق مجموعة من القوانين الصارمة وضعها جنكيز خان] فإذا امرأةٌ تبكي وتلطم !

فقال : ما هذه ؟ أحضروها.

فقالت: هذا ابني، وهذا أخي، وهذا زوجي !

فقال لها: اختاري واحداً منهم حتى أطلقه لكِ.

فقالت: الزوج يجيء مثلُهُ، والابنُ كذلك، والأخُ لا عِوَضَ له !

فاستحسن ذلك منها وأطلق الثلاثة لها. اهـ   

[البداية والنهاية 17/166]

ذكرتُ لكم في مقالات سابقة عند الحديث عن مراتب الفقه قصة سيّدنا عويمر أبي الدرداء مع سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنهما.

أبو الدرداء كان فقيها عالماً، ورعاً تقيّاً، لكن أخوه سلمان كان أفقه منه وأحكم وفي كلٍّ خير، في تلك الحكاية الرائعة التي وقعت ليلة الجمعة راجع سلمان أخاه أبا الدرداء، فأعاد له ترتيب جدولة الحقوق والوجبات، فزاد ونقص، وقدّم وأخّر، وقال حكمته الشهيرة:

“إنّ لربك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً ولأهلك عليك حقّاً، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقّه”

فلما أصبحا  شكى أبو الدرداء أخاه سلمانَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله:

“صدق سلمان” 

والقصة شهيرة رواها البخاري في الصحيح، وفي رواية عند الطبراني من وجه آخر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ردّ على أبي الدرداء اعتراضه بقوله: 

“عُوَيمر ، سلمانُ أفقه منك”

نرجع إلى حكمة سلمان في البراني والجواني … 

يا أهل الإسلام، قبل النظر في البرّاني عليكم بالجوّاني، حصوننا مهدّدة من الداخل.

يا أهل الإسلام، نحن نعلم أنّ لدينا خصوماً يتستّرون بستائر شتى لتشويه صورة الإسلام والنيل منه، تارة بستارة الحريّة في التعبير عن الرأي، وتارة بحقوق الإنسان، وتارة بالحرب على الإرهاب، لكن بالله عليكم كيف نطالب الناس أن يأمنوا لنا وفينا معشر المسلمين من يُفاخر بأكل قلوب البشر وقطع الرؤوس، ومن يتستّر بالنقاب لدسّ المتفجّرات…

كيف يأمنوا لنا وفينا من يخاطب العالمين باسم الإسلام قائلاً:

“نحنُ قوم نشربُ الدماء”

نسخة للطبع نسخة للطبع