كان المشركون يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله جل وعلا في القرآن الكريم :
“خذِ العفوَ ، وأمر بالعُرفِ ، وأعرض عن الجاهلين”
وأنزل في مدح المؤمنين قوله سبحانه :
“وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً “
وكان المستهزئون الكافرون قد نقشوا على جدار الكعبة المشرفة رسوماً كاريكاتورية مسيئة للرسل – عليهم السلام – ونصبوا على الكعبة وحولها ثلاثمائة وستين صنماً …
ومع ذلك صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية ولم يشترط عليهم محو الصور المسيئة للرسول !
تأمّل وتفكّر …
واليوم بعد أن انجلى غبار الإعصار الجهادي في باريس المصحوب بالصخب الإعلامي والمبني على الجهل بالدين الإسلامي ..
يحتاج العقلاء إلى وقفة للتأمّل .. كتلك التي أعقبت فضيحة الهجوم على المستشفى العسكري في صنعاء ….
بعيداً عن المهادنة والملاعبة في الدين والسنة …
نطرح سؤالاً لأولي الألباب فنقول :
السخرية والاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغيض …
المسلمون مجمعون على بغضه وكرهه ، لا يزايد أحد على أحد في ذلك …
لكن السؤال : هل كان الهجوم على مبنى الصحيفة الساخرة في باريس عملاً مشروعاً في الدين الإسلامي أم لا ؟
نقلت وكالات الأنباء عن بعض الناجين أنّ أحد المهاجمين كان يقول : ” إنا لا نقتل المدنيين ” ! وقال آخر : ” إنا لا نقتل النساء ” !
الرسالة واضحة ..
استهداف الصحفيين والرسّامين كان لمجرّد استهزائهم وسخريتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ..
رسالة مفهومة جداً … بلا زيادة أو نقصان ، والانصاف مطلوب في هذا الموضع الحسّاس .. إذ لو كان موجب الاستهداف غير ذلك لقتل الأخوان المدجّجان بالسلاح عشرات فرنسيين وهم يتنقّلان من مكان إلى مكان ومن بلدة إلى أخرى في ذلك اليوم العصيب على أجهزة الأمن الفرنسي ..
لكن أليس في ذلك تناقض ؟
الرسّامون المستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم هم أيضاً مدنيّون !
هم كفّار مستهزئون أساؤوا إلى المقام النبوي بالريشة والقلم لكنّهم مدنيّون لم يحملوا سيفاً أو رمحاً لقتال المسلمين ..
مفتي القاعدة الشيخ اليماني حارث النظاري احتج في خطابه الذي بارك فيه الغزوة الباريسية بحادثة قتل كعب بن الأشرف ، وهي حادثة شهيرة في التاريخ الإسلامي فكعب بن الأشرف كان شاعراً يهودياً معاهداً في المدينة المنوّرة نظم أشعاراً مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وعمل أعمالاً أخرى فقتله محمد بن مسلمة وأصحابه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ..
القصة معروفة ، روى البخاري بعض أحداثها في الصحيح واستدل بها حارث النظاري على شرعية قتل الرسامين الساخرين لكنه استدلال باطل لأن رواية البخاري مختصرة ، وقد أشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى ذلك وبيّن أن الأمر بقتل كعب بن الأشرف لم يكن لمجرد الاستهزاء والشتم بل لسبب آخر خطير !
كعب بن الأشرف نقض عهده مع النبي صلى الله عليه وسلم وذهب إلى كفار قريش فتحالف معهم وأقسم على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى المدينة المنورة فأعدّ مؤامرة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم غدراً بالإلقاء الحجر على رأسه وفي ذلك أنزل الله تعالى قوله : ” ولا تزال تتطلع على خائنة منهم ” من أجل ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف ..
كعب بن الأشرف حربي مقاتل نقض عهد السلام وهمّ بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك عقب غزوة بدر في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة النبوية .
ونقول لحارث النظاري :
ألم يصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم كفّار قريش بصلح الحديبية في السنة السادسة أي بعد مقتل ابن الأشرف بإجماع المؤرخين ؟
تفكّر وتأمّل فإن الرجوع إلى الحقّ خير من التمادي في الباطل …
ألم يكن على جدار الكعبة رسوم “كاريكاتورية” مسيئة للنبي الرسول إبراهيم وابنه النبي الرسول إسماعيل عليهما السلام ، والعقيدة الإسلامية لا تفرّق بين أحد من رسل الله عليهم الصلاة والسلام ؟
لِمَ لمْ يشترط النبي صلى الله عليه وسلم محوَ تلك الصور المسيئة عند عقد اتفاقية الصلح والسلام ؟
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل هو وأصحابه إلى مكة المكرّمة بعد عقد الصلح لأداء العمرة فأقام فيها ثلاثة أيام بموجب اتفاق الصلح ، فاعتمر وطوّف بالكعبة المشرفة هو ومئات من أصحابه [ أكثر من ألفين ] ، وتنحّى المشركون عن الكعبة المشرفة …
فاختلى المسلمون بالكعبة وأحاطوا بها من كل جانب ….
لم يَحُلْ بينهم وبين الكعبة شيء …
ألم يكن على الكعبة المشرفة وحواليها ثلاثمائة وستون صنماً ؟ ألم يكن في جوف الكعبة وعلى جدرانها رسوم مسيئة للرسل فلم يغيّر النبي وأصحابه لما أحاطوا بالكعبة شيئاً من ذلك الرجس ولم يتلفوا صورةً من تلك الصور …
أليس هذا محفوظاً بالتواتر في السيرة النبوية ؟
أليس هذا مثبتاً في الصحاح المسندة بالأسانيد الصحيحة المتواترة …