كان قدماءُ المحاربين العرب في قديم الزمان إذا خرجوا للقتال دقّوا طبولَ الحرب وهم يزحفون إلى العدوّ زحفاً فإذا التقى الجيشان بدأوا الحرب بالكلام قبل القتال، ولمّا كان الأدب والشعر من أعظم خصائصهم برز عندهم ما يُعرف بفنّ “الهِجاء” أو “الحماسة” وهي الأشعار والأغاني الحربية التي تُفتتح بها الحروب وبها يتفاخرون ويتراشقون بالسِباب واللعان، وكان الشعراء يتسلّلون إلى مقدّمة الصفوف للفتح بالمبارزة الشعرية!
الشِعْرُ العربي القديم كما نعلمُ يختصّ بالوَزْن والقافية وهو نظم خاص بالقصيدة الشعرية تُضبط به الكلمات والحروف بإيقاع موسيقي منقطع النظير لا يقدر على إتقانه إلا الشاعر البليغ. وللعرب الأولين مجموعة من الأوزان الشعرية معروفة عندهم فإذا اختار الشاعر المبارز أحدها فاستفتح به البيتَ الأول من القصيدة وختمه بقافية فإنه يُلزم باتباع الوزن المختار والقافية المختارة حتى نهاية القصيدة.
وهنا يبدأ التحدي !
لأنّ المبارز الخصم عليه أنْ يرتجل ردّاً سريعاً بقصيدة هجائية مماثلة ونغمة مماثلة أي بقصيدة على ذات الوزن وذات القافية، فإذا تكرّر السجال والتراشق بالقصائد مرّة بعد مرّة حَمِيَتْ الحرب واشتعل نارها.
وكان في العرب شعراء من ذوي الألسن الطويلة البذيئة لا يكفّون عن الهجاء في الحرب والسلم فكان العقلاء يحذرون من فتنتهم وخطرهم وفي ذلك يقول الشاعر:
أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ نَارٍ
ويُوشِكُ أَنْ يكُونَ له ضِرامُ
فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى
وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ
وإِنْ لَمْ يُطْفِهَا عُقَلاءُ قَوْمٍ
يكونُ وقودَهًا جُثَثٌ وهامُ
ابن لادن دقّ بخُطبِه طبولَ الحرب مراراً وتكراراً بنغمة نشاز على إيقاع الحرب الدينية بين العالمين؛ الإسلامي والمسيحي، فلم يلتفت إليه أحد.
ثم جاء البغدادي فأكمل المعزوفة بصنوج الحرب فزادها نشازاً وبشاعة حتى بلغ صداها أطرافاً من العالم الغربي فشرعوا في العزف على لحن المعزوفة فألِفَها ناسٌ إيلافهم سيمفونيات بيتهوفن.