بغض النظر عن الأعذار الطالبانية الواهية لتبرير فضيحة كتمان وفاة الملا عمر وتبرير التواطؤ على الكذب والتزوير لأكثر من عامين فإنّ أئمة الطالبان الموصوفين بالفقه والزهد والجهاد قد قدّموا لطلبة العلوم الشرعية درساً عملياً بليغاً في أصول الفقه الإسلامي أجابوا فيه بالتجربة العملية عن إشكال كان يراود بعض طلبة العلم .
لماذا اشترط علماء الأصول في ضبط الخبر المتواتر المفيد للعلم القطعي وجوبَ انتفاء إمكان التواطؤ على الكذب ؟ فقالوا : الخبر المتواتر هو ما رواه جماعة أو جمّ غفير تُحيل العادة تواطأهم على الكذب … إلخ
الإشكال المطروح هو : هل يُعقل أن يتواطأ جمٌّ غفير من الموصوفين بالزهد والعبادة والجهاد على الكذب ؟؟
والجواب عن ذلك الإشكال من الماضي البعيد فيما رواه الخطيب والحاكم النيسابوري والهروي وغيرهم عن عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن لهيعة قال :
“سمعتُ شيخاً من الخوارج [ وفي رواية : من أهل الأهواء ] تاب ورجع وهو يقول : ” إنّ هذه الأحاديث دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينَكم ، فإنّا كنّا إذا هوَينا أمراً صيّرناه حديثاً”.
وفي رواية أخرى : “إنا والله كنا نحتسب الخير في أن نروي لكم ما يضلّكم”.
قوله : “صيّرناه حديثاً” أي جعلناه خبراً مرفوعاً منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً .
[ المقرئ روى عن ابن لهيعة قبل اختلاطه ]
وروى الإمام الحاكم في المدخل عن سليمان بن حرب قال : “دخلتُ على شيخ وهو يبكي فقلتُ : ما يبكيك ؟ قال : وضعتُ أربعمائة حديث [ يعني مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ] وأدخلتها في برنامج الناس فلا أدري كيف أصنع”.
ثم قال الحاكم : “ومنهم [أي من الكذابين في الحديث النبوي] جماعة وضعوا الحديثَ حِسبَةً كما يزعمون يدعون الناس إلى فضائل الأعمال مثل أبي عصمة نوح بن أبي مريم .. إلخ
ثم روى عن أبي عمار المروزي قال قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه في فضائل القرآن سورةً سورةً، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟
فقال : إني رأيت الناسَ قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعتُ هذا الحديث حِسبَةً ” .
ثم قال الحاكم : “ومنهم جماعة وضعوا الحديث للملوك في الوقت مما تقرّبوا به إليهم” ثم روى أمثلة على ذلك .
سبحان الله !
هذا شيء كان في القرون الثلاثة الأولى !! وفي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونه ؟
فتخيّل ما هي الحال عند الخلطة العجيبة ؟
إذا اختلطت السياسة بالدين وغُلّقت الأبواب ! لا تسأل بعد ذلك عن الكَمِّ والجَمِّ ، وقد جاء في الأثر : “ما اختلى رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما”.
فانظروا من الثالث إذا اختلى الدين بالسياسة ؟
الله يستر