قاضٍ من أعيان الفقهاء يرقص فرحاً … ما يمشي بالكم لبعيد

هل تعلم أنّ إماماً من أعيان فقهاء الشريعة الإسلامية ، كان قاضياً يقضي بالشريعة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، توفي مطلع القرن الخامس سنة 414 هــ قام ليلةً يرقص فرحاً !؟

هو الإمام أبو جعفر ؛ محمد بن أحمد بن محمود القاضي ، ترجم له الحافظ بن الجوزي في المنتظم ، والحافظ ابن كثير في التاريخ ، والحافظ عبد الحي اللكنوي في الفوائد البهية وغيرهم من الأئمة والحفّاظ وذكروا في مناقبة حكاية عجيبة عدّوها من المناقب ولو كانت في زماننا لعدّها الجهال من المثالب والمثاقب .

قال الحفّاظ في ترجمة النسفي :

كان عالماً بالفقه على مذهب أبي حنيفة وصنّف تعليقة مشهورة في الخلاف [ أي القضايا الفقهية الخلافية ] ، وكان زاهداً ورعاً ، متعفّفاً فقيراً قنوعاً ..

بات ليلةً مكروباً مهموماً من ضيق البال وسوء الحال وكثرة العيال فوقع في خاطره فرعٌ من فروع مذهبه فأعجب به فقام يرقص في داره ويقول :

” أين الملوك وأبناء الملوك ” ؟

فسألته زوجته عن حاله فأخبرها فتعجّبت .

انتهت القصة .

قصة لطيفة من النوادر الرائعة التي يُستعان بها على تدبّر قول الله تعالى عن قارون إذ قال له قومه : ” لا تفرح إنّ الله لا يحب الفرحين ” .

بأي شيء فرح ولما أنكروا عليه الفرح ؟

فيفهم المراد من قول الله تعالى :

 ” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ” .


ما صدر عن النسفي – رحمه الله – كان تصرّفاً عفويّاً يعبّر عن طفرة من الفرح والسرور ، لا يذوق حلاوتها إلا أحباب الله والدار الآخرة …

حلاوة يحسدهم عليها الملوك والأمراء كما يُروى عن الخليفة أبي جعفر المنصور العباسي أنه قد رؤي حزيناً ، فقالت له حاشيته : يا أمير المؤمنين هل بقي شيء من اللذات لم تلنه ؟

قال : شيء واحد !

قالوا : ما هو ؟

قال : أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث ، فيقول المستملي : مَنْ ذكرتَ رحمكَ الله ؟

[ أي يجلس مجلس المحدّث الفقيه وحوله طلبة الحديث ، قد وفدوا إليه من أقاصي الأرض ومشارقها ومغاربها فيُملي عليهم ]

فلما كان اليوم التالي غدا إلى الخليفة المنصور الندماءُ وأبناءُ الوزراء فدخلوا على قصره بالمحابر والدفاتر فقالوا له : ليملِ علينا أمير المؤمنين شيئاً من الحديث ؟

فقال المنصور : 

” لستم هم ! إنما هم الدنسة ثيابهم ، المشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم ، بُرَدُ الآفاق ، ونَقَلةُ الحديث ” اهــ . 

قصة تحمل من المعاني شيئاً كثيراً ، رواها ابن الجوزي مسندة في المنتظم وابن عساكر في التاريخ وابن السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء وغيرهم .

نسخة للطبع نسخة للطبع