نحن المسلمين رضعنا حبّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أمهاتنا وتعلّمناه من آبائنا ، نُشّئنا بحمد الله على الفطرة ، رضينا بالله ربّاً وبالإسلام دينا وبمحمد نبيّاً ورسولاً ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .أما غيرنا من بني آدم فلهم حكاية أخرى .
لكلّ أمة عقلية وخلفية دينية وأصول وعقائد ومراجع فكرية تتفق وتفترق ، فيهم اليهودي والنصراني من أهل الكتاب وديانات السماوية وفيهم المجوسي والصابئي والوثني والبوذي والهندوسي والسيخي وفيهم الملحد الذي لا يؤمن بوجود الخالق .. مِلَل ونِحَل آخر لها .
فيهم القارئ المتعلّم المثقّف والجاهل المتخلّف المقلّد . وفيهم الذكي الفطن وفيهم البليد الغبي ..
قرننا هو قرن الانترنت وثورة الاتصالات والمواصلات ، فتحت الأبواب وماج الناس بعضهم في بعض .
يُروى عن العالم الفيزيائي آينشتاين أنه قال :
” كلمة الله هي بالنسبة إلي ليست أكثر من تعبير ومنتج للضعف البشري ، الكتاب المقدس عبارة عن مجموعة من الأساطير البدائية البلهاء ، وهي مع ذلك جميلة وصبيانية ” .
فهل تظنّ أيها المسلم العاقل الداعي إلى الله أن الحجج والبراهين التي يحتاجها علماء وكالة ناسا الفضائية ليؤمنوا بمحمد ويصدّقوا نبوءته هي ذاتها الحجج والبراهين التي يحتاجها الحفاة العراة من عَبَدة الحجر والشجر في غابات الأمازون أو غابات الكونغو ؟
هل تعلم ما معنى أن يأتي رجلٌ بشر مثلنا فيزعم أنه رسول رب العالمين ، اصطفاه من دون الخلق جميعاً وأمر الناس بطاعته والخضوع لشريعته ، وأن مَلَكاً مخلوقاً من نور له جناحان يدعى جبريل يتنزل عليه برسالات الله من فوق سبع سماوات ، من وراء الشمس والقمر والكواكب والنجوم والمجرات ؟
” قل هو نبأٌ عظيم “
فإما أن يكون صادقاً .
أو كاذباً افترى على الله كذباً وقال أوحي إليّ ولم يوحَ إليه شيء .
أو به جنون لا يعقل ما يقول .
لما بُعث رسول الله في الأميين العرب كان منهم من يعتقد أنّ انتصار ” محمد ” بالغلبة والسنان هو دليل صحة النبوة وفي أمثال هؤلاء أنزل الله تعالى قوله : ” ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ” وقوله تعالى : ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ” .
ومن تأمل الحوار الثلاثي بين النجاشي ملك الحبشة وكان على دين النصرانية مع الوثني عمرو بن أبي العاص و المسلم جعفر بن أبي طالب ، ومثله الحوار الثنائي الطويل بين هرقل عظيم الروم مع أبي سفيان زعيم قريش في الحرب على الإسلام فإنه سيرى فارقاً جليّاً بين عقلية الكتابي المتعلّم المتحضّر وعقلية الوثني الأُمي المتخلّف .
أبو سفيان كان يقول للعباس بن عبد المطلب :
” لا أُسْلِم حتى أرى الخَيْلَ تطلع من كَدَاء “
وكذلك كان يعتقد رؤساء المشركين أن آلهتهم وأوثانهم تحرس منافذ مكة المكرمة ومنها ثَنيّة كَداء ، فعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على قدر ما يعقلون ليحقن الدماء فأمر جنوده بالدخول من ثنيّة كَداء فأسلم أبو سفيان وانهارت دفاعات قريش .
أما اليهود فكانت لديهم خلفية مختلفة كليّاً ، كانوا مغلوبين مقهورين مشرّدين وهم مع ذلك مستمسكون بدينهم وكتبهم ، وكذلك النصارى قد كانوا قبل قسطنطين الأول مغلوبين مقهورين مستخفين لثلاثة قرون لم يتزحزحوا عن دينهم فهؤلاء يبحثون عن صفات ودلائل أخرى لإثبات صحة النبوة ، وهم لا ينكرون مبدأ النبوة والرسالة ، ويؤمنون بالملائكة واليوم الآخر ، والجنة والنار لكنهم يروون عن المسيح – عليه السلام – أنه قال :
” احترزوا من الأنبياء الكذبة ، الذين يأتونكم بثياب الحُملان ولكنهم من داخلٍ ذئاب خاطفة ، من ثمارهم تعرفونهم ، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحَسَك تيناً ، هكذا كل شجرة جيدة تصنع ثماراً جيدة ، وأما الشجرة الرَدِيَّة فتصنع أثماراً رديّة ، لا تقدر شجرة جيّدة أن تصنع أثماراً رديّة ، ولا شجرة رديّة أن تصنع ، فإذاً من ثمارهم تعرفونهم ” [ انجيل متى 7 / 15-19 ] .