قال المتنبي :
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِم
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارم
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها
وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
لم يكن محمد علي باشا كسائر الملوك يطمح إلى توفير الأمن والطعام والكساء للشعب المصري فحسب، بل كان طموحه أعظم وأعلى، كان يسعى إلى النهوض بمصر لتصبح “أمّ الدنيا”؛ دولة قوية مهيمنة على المستوى الإقليمي والدولي، ولذلك اضطر إلى تسخير الآلة الإعلامية لتنفخ في صورة مصر الحديثة، وتنفخ روحَ العزّة والعزيمة والقومية في الإنسان المصري، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائمُ، فكان لتلك الروح المعنوية – مع ما فيها من مبالغة وتعالٍ – أثرٌ ملحوظ في شحذ الهِمم ودفع عجلة التقدّم.
إنّ ملوك مصر الحديثة بشرارهم وخيارهم منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا هم عيالٌ على “علي باشا”، كلٌّ يسعى إلى تكملة المشوار الطويل بمحاكاته والاقتداء به والتشبّه بإنجازاته أو السعي لفكّ عُقدته ولو بثوبٍ آخر كما فعل الرئيس جمال عبد الناصر.
لكن الانجازات الفريدة والمبالغة في نفخ الروح المعنوية قد أعْيَت المصريين من خلفه، وأتعبت الملوك من بعده، ولربما انقلب نفعها في بعض الأحيان إلى ضرر كما يحصل في سباق الماراثون، الأوائل يبلغون المنتهى بشقّ الأنفس، والمُخلّفون تنقطع أنفاسهم كما انقطعت نفس فيديبيدس.
قيل إنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه رأى الخليفة عمر بن الخطاب وهو يعدو إلى ظاهر المدينة، فقال له :
إلى أين يا أمير المؤمنين؟
فقال : قد ندّ بعيرٌ من إبل الصدقة فأنا أطلبُه !
فقال علي : قد أتعبتَ الخلفاءَ من بعدك
[تاريخ ابن كثير 7/136]