لا خلاف بين المؤرخين أنّ النجاشي ملك الحبشة قد كان حين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم نصرانياً على دين قومه ، وكان الأحباش على المذهب الأرثوذكسي على دين أقباط مصر يؤمنون أنّ الله هو المسيح بن مريم ، وهي – بلا خلاف – عقيدة تناقض عقيدة الإسلام كما ورد صريحاً في القرآن الكريم:
” لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح بن مريم ”
فالنجاشي من المنظور الإسلامي وبناء على تصنيف فقهاء المسلمين كان ملكاً كافراً وبلاده أرض الحبشة كانت دارَ كفر وشرك ، الحاكم والمحكوم على دين المسيحية الأرثوذكسية .
هذا الواقع التاريخي المتفق عليه يعطينا درساً في فهم أعمق لعقيدة “الولاء والبراء”، وبه نعلم أنّ التصنيفات الفقهية قد يكون لها اعتبارات وحيثيّات خاصة ، والدليل على ذلك أنّ الأخبار والروايات المتواترة عندنا – معشر المسلمين – قد وثّقت حادثة الهجرة إلى الحبشة باعتبارها من أعظم الأحداث التاريخية في العهد الإسلامي ، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما أصاب أصحابه من البلاء وتعرضهم للتعذيب والسجن على أيدي المشركين بمكة المكرمة قال للمستضعفين من المسلمين في السنة الخامسة من البعثة : ” تفرقوا في الأرض”.
فقالوا : أين نذهب يا رسول الله ؟
قال : “ها هنا ، وأشار إلى الحبشة وكانت أحبّ الأرض إليه أن يُهاجر قِبَلها” .
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم :
” لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يُظلم أحدٌ عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه “
، وفي رواية :
” وهي أرضُ صدق ”
وفي مغازي موسى بن عقبة :
” وكان يثني عليه مع ذلك خيراً “
يعني النبي يثني على النجاشي خيراً. ويكفي أنّ أم المؤمنين رضي الله عنها ، أمّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ممن هاجر إلى الحبشة وقد شهدت على ذلك وروت فيه حديثاَ طويلاً رائعاً رواه الإمام أحمد والبيهقي وغيرهما بالسند الصحيح المتصل وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
“إنّ بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرَجاً مما أنتم فيه” .
قالت أم سلمة رضي الله عنها : “فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا ونزلنا بخير دار إلى خير جار ، أمنّا على ديننا ولم نخش منه ظلماً ” .
وفي رواية : ” واطمأننا في بلاده ” ، وجاء في بعض الروايات أن النجاشي كان لا يأخذ الرشوة ، ولذلك أبى أن يطرد المسلمين لمّا عرضت عليه قريش الرشوة لتسليمهم .
فتأملوا يا معشر المسلمين !
تأملوا يا أولي الألباب في هذه الواقعة التاريخية المثبتة بالأحاديث المتواترة …
ماذا يعني هذا ؟
الجواب : يعني أنّ النجاشي وشعبه – من منظور إسلامي – كانوا كافرين ودارهم دار شرك وكفر من وَجه .
لكنْ من وجه آخر [ ومن منظور إسلامي كذلك ] كان النجاشي ملكاً عادلاً خيّراً ، وكانت أرضُ الأحباش أرضَ صِدْق وخير ، وأرضَ أمنٍ واطمئنان وسِلْم وسلام ، بل كانت أحب الأرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُهاجَر قِبَلها .
سبحان الله !
وماذا يعني كذلك ؟
الجواب : ويعني أنّ المسلمين الصادقين الأولين بزعامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد احترموا وأجلّوا ووقّروا مَلِكاً كان يدين بعقيدة تناقض عقيدة الإسلام ، وشعباً يدين بالمذهب اليعقوبي الأثوذكسي يعتقدون أنّ الله هو المسيح بن مريم .
فماذا بعدُ ؟
تعالَواْ لننظر في المقابل كيف فرض المسلمون على غير المسلمين احترام وتوقير نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم …
وللحديث بقية