أبو جندل رضي الله عنه أسلم بمكة فأوثقه أبوه سهيل وعذبه عذابا شديداً وحبسه في سجن بمكة المكرمة ليصدّه عن الهجرة إلى الدولة الإسلامية فلما دنا المسلمون من مكة يوم الحديبية فرّ أبو جندل من الحبس وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين ففرح به المسلمون وتلقوه ..
وكما يقال في المثل : يا فرحة ما تمّت
وصل أبو جندل بعد ثوان أو دقائق معدودة من كتابة شرط الصلح قبل أن يجفّ المداد
لكن العهد في الإسلام شأنه شديد والنبي لا يخيس بالعهد
فردّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيه سهيل بن عمرو فقام سهيل الكافر فضرب وجه أبي جندل المسلم وأخذ بلببه يجّره إليه .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ويرى !
فصاح أبو جندل : أي معشر المسلمين أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلماً ألا ترون ما قد لقيت .
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
” اصبر واحتسب فإنا لا نغدر ، وإنّ الله جاعل لك فرجاً ومخرجاً “
ثم لم يأتِ رسول الله صلى عليه وسلم أحد من الرجال بعد عقد الصلح إلا ردّه .
سبحان الله ؛ أين ذلك من قول الله تعالى : ” واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا ” ؟
أين ذلك من قول الله تعالى :
” إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ” ؟
فإن قال قائل : إن أبا جندل لم يهاجر إلى المدينة إنما رمى نفسه على المسلمين ببطن مكة ، فما هو من الذين آمنوا وهاجروا ، قلنا له اقرأ تتمة القصة من صحيح البخاري وهذا لفظه :
قال راوي : ” ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، فقالوا : العهد الذي جعلتَ لنا ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر ، فقال : أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت ، فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه فأمكنه منه ، فضربه حتى بَرَدَ [ أي مات ] وفرّ الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعراً ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قتل والله صاحبي وإني لمقتول ، فجاء أبو بصير فقال : يا نبي الله ، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ، ثم أنجاني الله منهم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد ، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر .
قال [ الراوي ] : وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة ، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ” . انتهى الحديث .