ثم أخذ الراية أبو بكر البغدادي فتعلّق بنبوءة وَسَطيّة، لا شرقية ولا غربية، فخطّ لأصحابه مثلث العودة إلى منهاج النبوة من “الموصل” إلى “دابق” إلى “المنارة” مهبط المسيح بن مريم عليه السلام، فنادى بخلافة النبوة، وظنّ الناس به خيراً لصدقه في فضح الظواهري الكذّاب عميل الفرس، فرجونا أنْ يَعْتَبِرَ بمن سَبَقَهُ وإنْ كنّا نشك في صحة الكثير من نبوءات آخر الزمان وعلى الأخص “نبوءة دابق” التي أسندها سهيل بن أبي صالح بعد إصابته بمرض الخرف والنسيان كما بيّنته بوثائق والأدلة في مقال سابق.
لكن البغدادي – للأسف – لم يُحسن انتقاء النبوءات ولم يُوفّق في توظيفها فارتكب ثلاثة أخطاء قاتلة :
الأول / الإفراط في التعيين والجزم بربط حركته السياسية بنبوءات آخر الزمان، فسقط في الفخ الذي أسقط شكري مصطفى وجهيمان وعبد السلام ياسين، والمؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين.
الثاني / التورّط بأبشع الأعمال تنفيراً لمطابقة نص النبوءة، فأعاد فتح أسواق النخاسة مما أدّى إلى نفرة أهل الأرض كافة، وقد كان البغدادي في غنىً عن تلك الفضيحة، ولو كان ذكيّاً لأرجأ اللهو بتلك اللعبة المقيتة حتى يتمكّن من بسط السيطرة التامة على العراق والشام.
أما الخطأ الثالث / فهو التعمّد في استفزاز أهل الأرض جميعاً واستعداء الدول المعادية وغير المعادية لبلوغ النصاب الموعود في النبوءة:
“فَيَأْتُونَ تَحْتَ ثَمَانِينَ رَايَةً، تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًاً”
[رواه البخاري]
ما فعله البغدادي هو بالقطع يخالف هدي القرآن الكريم والسنة النبوية …
لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان يوم الأحزاب ليتحسّس خبر الأعداء فأوصاه قائلاً:
“اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم عَلَيَّ”
أيها الأغبياء إنّ تهييج الأمم العظيمة على المسلمين ليست شطارة !
ولقد نجح سيدنا حذيفة بن اليمان في اختراق العدو والدنوّ من رئيس أركان الحرب، وإمام أئمة الكافرين وكان – رضي الله عنه – رامياً بارعاً مسلحا بالقوس والسهام قال:
“فأردتُ أن أرميه فتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تذعرهم عليَّ” ولو رميته لأصبتُه، فرجعتُ”
[رواه مسلم في الصحيح]
كانت الخطة النبوية تهدف إلى الحطّ من غضب الأعداء وتفكيك التحالف ليرجعوا وليس العكس!
البغدادي كان في غنىً عن ذلك التصرف الأخرق الأحمق، كان بالإمكان تأويل النبوءة بوجوه من التأويلات والتفسيرات المُحتملة لأنّ الجيش الواحد في الدولة الحديثة الواحدة يقاتل تحت رايات وفِرَق وألوية كثيرة لكل فصيل راية، ورايات فصائل الحشد والشبيحة في العراق وسوريا تناهز الثمانين فما حاجته لجلب المزيد من الأعداء ؟؟؟
وهل قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءَه المحاربين كافةً في زمن واحد؟ ألم يقاتل قريشاً فلما فرغ من الصلح توجّه إلى خيبر فلما فرغ من خيبر توجّه إلى تبوك؟؟ عملاً بهدي القرآن الكريم:
“قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ”
حتى المجنون هتلر لم يفعلها، كان له أعداء وكان أصدقاء، أما البغدادي فلا صاحبَ له ولا حليف، حاربهم جميعاً من قاعدة والطالبان إلى أثيوبيا واليابان !
ومن فرط الغباوة كان للبغدادي ما تمنّى، فنشأ أكبر حلف عسكري عرفه التاريخ الإنساني منذ بدء الخليقة لمواجهة فصيل واحد …
فضيحة لا نظير لها في التاريخ الإنساني
جاؤوه بما لا قِبَل له به إلا بمعجزة خارقة للطبيعة
فلينتظر نزول المسيح وخروج المهدي ولينتظرْ الخسفَ المسخَ والقذفَ كما انتظرها جهيمان !