لما سمعتُ لقب “الفاتح الجولاني” لأوّل مرّة يتردّد في وسائل الإعلام قَفَّ شعري وارتجف فؤادي من هَوْل “اللقب”، فقلتُ في نفسي لعلّها مزحة دعائية كالخرجات المعهودة عن صاحب الصولجان، وكان أول ما خطر على بالي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“المُتشبِّع بما لمْ يُعْطَ كلابِس ثَوْبَيْ زُور”
لا أحسدُ “الجولاني” ولا أنْفَس عليه فضلاً ساقه اللهُ إليه، ولكني أعجب من صبابته إلى الظهور بثياب الفاتحين ولبوس العمالقة السلاطين ولَمّا يفرّج الله الكُربَة – بعدُ – عن الشعب السوري، ولو استحيى “الجولاني” من الله لتريّث حيناً من الدهر حتى يفتح الله على يديه “مدينة القدس” أو “هضبة الجولان”، كما فعل السلطان محمد الثاني لمّا ازدان بحِلْيَة “الفاتح” بعد “الفتح” فعلها الفاتح الصادق وفتح الله على يديه “مدينة القسطنطنيّة” وقد مضت القرون عصيّها “فلنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيش”.
ولو كانت في وجه الجولاني مُزْعَة لَحْمٍ من الحياء لتريّث كما تريّث السلطان يوسف حتى أمكنه الله من فتح بيت المقدس بعد أن استحوذ عليه الصليبيّون لمدّة ثنتين وتسعين سنة كانت فيها عيونُ المسلمين تنظر بحسرة العاجز المقهور إلى الصلبان منصوبة فوق الجدران وقبّة الصخرة، ذاك صلاح الدين الأيوبي، اسم على مسمّى، ذاك هو “الفاتح” الصادق وذلك هو “الفتح المبين”.
هذا الذي كانتِ الآمالُ تَنْتَظِرُ
فَلْيوفِ للهِ أقوامٌ بما نَذَر
هذا الفتوحُ الذي جاء الزمانُ به
إليك من هفوات الدهر يعتذرُ
تَجُلّ عَلْياه عن دَحٍّ يُحيط به
وَصْفٌ وإنْ نَظَمَ المّدَاح أو نَثَروا
لقد فتحتَ عَصِيّاً من ثُغورِهِمُ
لولاك ما هُدَّ من أركانها حَجَرُ
بمثل ذا الفتحِ – لا واللهِ – ما حُكِيت
في سالف الدهر أخبارٌ ولا سِيَرُ
الآن قَرّتْ جُنوبٌ في مضاجعها
ونام من لم يزلْ حِلْفاً له السَّهَرُ
الآن طاب إلى البيت المقدَّس كالـ
ـــــبيت المحرّم إحرامٌ ومعتَمرُ
[ أنشدها الشاعر ابن مفرج النابلسي للسلطان الفاتح صلاح الدين الأيوبي حين وطأت قدماه مدينة القدس]