في مثل هذا الشهر قبل عشرين عاماً قام جندي أردني من حرس الحدود يُدعى “أحمد الدقامسة” بإطلاق النار من بُرج المراقبة على فتياتٍ إسرائيليات كنّ في نزهة مدرسية في منطقة الباقورة المجاورة للحدود الأردنية الإسرائيلية فقتل منهنّ سبعاً وجرح خمساً، فحكمت عليه المحكمة العسكرية الأردنية بالحبس المؤبد وأفرج عنه في هذا الشهر بعد أن قضى عشرين عاماً في محبسه بالتمام والكمال.
الحكاية معروفة من أولها إلى آخرها لمن عاصرها لأنها كانت حديث الساعة والإعلام في زمانها فلا حاجة للتذكير بتفاصيلها وتداعياتها.
كانت مجرّد غلطة من شاب غاضب في لَجّة غضبٍ شعبي رفض صُلحَ “وادي عربة” وعارض التطبيع مع إسرائيل، ولذلك فإنّ ردّة الفعل من القوى الشعبية المعارضة في ذلك الوقت كانت مفهومة، ولم يكن كذلك مستغرباً أن يأتي الثناء على صنيع الدقامسة من أشخاص كالظواهري وشاكلته.
الدوافع – كما تقدّم – مفهومة، كما أنّ الحبس المؤبّد هو زمنٌ كافٍ للمراجعة والتوبة وفترة كافية لطيّ ملف القضية، فكلُّ بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوّابون.
لكن المستغرب أنّ الدقامسة خرج من السجن بعد عشرين عاماً ولمّا يزل مفاخراً بغدرته، غير نادم على فعلته !!
لِمَ لا ؟ وهو يسمع طوال الأعناق يحتفون به وينعتونه بالثائر النشمي.
ولِمَ لا ؟ وهم يسمعون كبير الشأن والقدر؛ وزيرَ العدل الأردني الأسبق “حسين المجلّي” يصفه بواحاً بالبَطل، ويقول:
“لو أن يهودياً قتل عربا لبَنَوْا له تمثالاً في بلده”.
أليس من حقّنا هنا أن نعيد فتح ملف “الدقامسة”، ليس بسبب الاعتراض على قسوة العقوبة – وإنْ كنتُ شخصيّاً ممن تمنّى تخفيفها بالمعاذير – ولكن لأنّ فينا معشر العرب من لم يهتدِ بعدُ إلى الفارق بين الإرهاب والمقاومة، والخسة والمرجلة.
لدينا أزمة فكرية ودينية وأخلاقية وقانونية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي تحتاج إلى إعادة فكّ وتركيب في ظلال قول الله تبارك وتعالى:
“وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”
صدق الله العظيم