أفول نجم الذئاب المنفردة وطلوع نجم الخنازير الوحشية

 لمّا انشطرت منظمة القاعدة في العراق والشام إلى فرقتين  احتار المراقبون والمفكّرون في تصنيف الحركة الوليدة المعروفة باسم داعش، فاضطربوا في توصيف الدواعش والخلايا الداعشيّة المنفردة وغير المنفردة بعد أنْ تبيّن بالقول والفعل أنّ هنالك تطويراً ملموساً في التركيبة الداعشية !

الفارق هنا لا يتعلّق بمجرّد التصعيد والتطوير من مرحلة استراتيجية إلى أخرى بإعلان الدولة أو الخلافة، لأنّ الدولة الإسلامية في العراق قد أعلنت من قبلُ فلم تظهر تلك الفوارق التي نراها من ظهور الدواعش !

هنالك تطوير جوهري في تركيبة العنصر الداعشي على جميع المستويات من القيادة العليا إلى جند الميادين إلى الخلايا المنعزلة، وبذلك أصبح الكلام عن الذئاب بعيداً عن الواقع والحقيقة لأنّ الداعشي عنصر متطوّر بمزيج لا صلة له بطباع الثعالب والذئاب.

إننا نرى ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الجراءة والإقدام والشجاعة وشدّة الاحتمال يقابله انخفاض ملموس في نسبة الجزع والهلع وانعدام الاعتبار باختلال موازين القوى عند المواجهة ، كما يحدث للمدمنين عند تعاطي المنشطات المهلوسة فتختلّ الإفرازات الكيمياوية في عقولهم حتى يُصاب المدمن بحالة من الجنون والهيجان والاندفاع.

هذه التركيبة لا تشبه طباع الذئب ونظائره، ولا توجد في الأسد والنمر والتمساح وإن كانت أشد السباع ضراوةً وافتراساً !

يُقال إنّ الذئب القوي [زعيم عصابة الذئاب] إذا ناله الخدشُ اليسير أصابه الهلع والخوف، فيحدثُ للذئب الضعيف من الجرأة عليه حتى يثبَ عليه فيأكله فلا يمتنع منه ، كما قال الشاعر:

وكنتَ كذئبِ السوءِ لما رأى دماً       

                     بصاحبه يوماً أحال على الدمِ 

[ كتاب الحيوان للجاحظ 5/319 ]

وطبع الهلع والجزع أشبه بحال زعماء القاعدة والطالبان لما غزتهم القوّات الأمريكية سنة 2001 فاستحالوا من ثعالب وذئاب إلى أرانب وجرذان عند الخدش الأوّل، ولّوا مدبرين وانهارت دولتهم وأسطورتهم الزائفة في أيّام معدودات، وتواروا لأشهر طويلة لا تسمع لهم هَمْسا !

أما التركيبة الداعشية فشيء مختلف تماماً …

مزيج لا يوجد إلا في الخنزير الوحشي الذي ضربت به الأمثال في قديم الأزمان، قبل أن يجهل الناس طباع الخنزير بسبب التمدّد العمراني وانقراض الوحوش .

في قديم الأزمان كان السلف – رضوان الله عليهم – يتمنّون أن يجاورهم الأسد قريباً من ضياعهم خوفاً من ضرر الخنزير ويكفي في بيان ذلك ما ذكره الجاحظ [ت 255 هـ] إذ بوّب لضرره باباً في كتابه الحيوان فقال :

   “وأما ضرره وإفساده، فما ظنّك بشيءٍ يُتَمَنّى له الأسَد؟ وذلك أن الخنازير إذا كانت بقرب ضِياعِ قومٍ هَلَكَتْ تلك الضياع، وفسدت تلك الغَلاّت، وربما طَلَبَ الخنزيرُ بعضَ العروق المدفونة في الأرض فيُخرّب مائة جريب [الجريب عشرة آلاف ذراع أي يفسد المحصول الزراعي كله من أجل وجبة واحدة]، ونابُه ليس يغلبه مِعْول، فإذا اشتدّ عليهم البلاء تمنَّوا أن يصير في جَنبتهم أسَدٌ !! ولربما صار في ضياعهم الأَسَدُ فلا يهيّجونه ولا يؤذونه”  

– إلى قوله – :

“إذا اجتمعوا [أي الفلاحون أصحاب الضياع] للخنازير بالسلاح، وبالآلات والأدوات التي تُقتل بها، فربّما قَتَلَ الرجلَ منهم أو عقَرَهُ العقرَ الذي لا يندمل، لأنه لا يضرب شيئاً إلا قطعه كائناً ما كان”اهـ

[ كتاب الحيوان 4 / 49 ]

وأما قوله : “فربما قَتَل الرجل منهم” فذلك لأنّ الخنزير لا يفرّ ولا يذل عند الخدش والإصابة بل يعدو ويهجم على حامل السلاح.

وقال – رحمه الله – في موضع آخر :

 “متى قُلعت العين الواحدة من الخنزير هلك” !

   كما عقد الجاحظ لشجاعة الخنزير وشدة بأسه وصبره فصلاً قال فيه:

“قوة الخنزير وشدة احتماله، وقال أبو الناصرة : الخنزير ربما قتل الأسد، وما أكثر ما يَلْحَقُ بصاحب السيف والرمح فيضربه بنابه، فيطعن كلَّ ما لَقِيَه من جسده، مِنْ عظمٍ وعَصَب، حتى يقتله، وربما احتال [أي الصيّاد] أن ينبطح على وجهه على الأرض، فلا يُغني ذلك عنه شيئاً، وليس لشيءٍ من الحيوان كاحتمال بَدَنِه لوقع السهام، ونفوذها فيه” اهـ 

[ الحيوان 4/93 ]

وقوله : “الخنزير ربما قتل الأسد” لا يعني أن الخنزير هو الأقوى لكن لو كان للأسد ملك الغابة لسان ناطق فقيل له: 

ما آخر ما تتمنّى لقاءه ؟

لأجاب : الخنزير الوحشي !

الله لا يبليكم بمثله ….

نسخة للطبع نسخة للطبع