هذا الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح متنه ولا يثبت إسناده وهو من الأحاديث النادرة التي رواها مسلم في الصحيح ولم يجمع العلماء على موافقته !؟
ليس هذا من الأحاديث النبوية التي تلقّاها العلماء بالقبول وأجمعوا على تصحيحها ….
وهو بلا شك نبأ عظيم وأمر خطير لأنّ أغلب المفاهيم المغلوطة عن الخلافة بُنيت في الأساس على هذا الحديث الضعيف المكذوب !
ما قصة هذا الحديث ؟ وكيف تسرّب إلى صحيح مسلم ؟ وهل ضعفه أحد من جهابذة الحديث ؟
هذا ما سنجيب عليه إن شاء الله …
الحديث المزعوم ولّده بعض المجاهيل والكذابين لأغراض سياسية وأشاعوه بأسانيد ملفّقة متنوّعة ثم دسّه بعضهم إلى إمام ثقة ابتلي بالخرف والاختلاط في آخر عمره ومنه تسرّب الحديث إلى صحيح مسلم فخفيت علة الحديث على كثير من العلماء ممن أحسن الظن بذلك الإمام الثقة وتفطّن له آخرون ….
هذا من حيث الإجمال وإليك التفصيل :
مبدأ الكذبة – والله أعلم – كان من البصرة أو الكوفة وما بينهما ، فحملها حاطبُ ليل ، ضرير البصر ، معروف بالثقة والصلاح لكنه يدلس الضعفاء والمجاهيل فيسقط أسماءهم ويعنعن الحديث وكان قال الإمام الشعبي : ” حاطبَ ليل ” .
حاطب الليل هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري الواسطي روى الحديث المذكور عن سعيد بن المسيب معنعناً عن النبي مرسلاً .
قال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن : ” سمعت علي بن المديني يضعّف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيّب تضعيفاً شديداً ، وقال : أحسب أن أكثرها بين قتادة وسعيد فيها رجال ” [ تهذيب التهذيب لابن حجر والمنتقى للباجي ] .
ونقل العلائي في جامع التحصيل عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال : ” أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب ما أدري كيف هي ؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحواً من عشرة رجال لا يُعرفون ” .
فمن هنا بدأت الدسيسة ، مجهول نكرة حدّث قتادة بهذا الحديث المختلق وكان قتادة يدلس المناكير فعنعه عن سعيد بن المسيب عن النبي مرسلاً .
ثم جاء أبو هلال الضرير ، بصري من أصحاب قتادة ، فحلّى الإسناد بزيادة فوصله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي ، فأدخل أبا هريرة ليصل الإسناد المنقطع . وليس الخوف ممن سقط بين سعيد والنبي صلى الله عليه وسلم وإنما الخوف ممن سقط بين قتادة وسعيد ..
أبو هلال الضرير لم يكن له كتاب وكان مضطرباً منكر الحديث وقد سئل الإمام أحمد عن تلك الزيادة من أبي هلال فأجاب بقوله : ” أبو هلال مضطرب الحديث عن قتادة ” وقال في موضع آخر : ” يُخاف في قتادة ” . ولذلك اعتبر ابن عدي هذه الوصلة الشاذة من مناكير أبي هلال . وتلقّى الحديث من أبي هلال راوٍ متروك متهم بالكذب يُدعى عمار بن هارون البصري فرواه عن أبي هلال عن قتادة عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً كما تقدّم .
ثم بلغ صدى الكذبة إلى الصين أو ما دونها من البلدان …
فجاء كذّاب صيني ! يُدعى محمد بن إسحاق بن يزيد فرواه عن عمّار الكذاب فركّب له إسناداً آخر عن عمّار عن فضالة الشحام البصري عن ثابت عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرجه البغدادي في ترجمة الصيني ولا ندري إن كانت الكذبة من الصيني أم البصري فكلاهما متهم بالكذب والعياذ بالله .
فأصبح للحديث مخرجان وثلاثة أسانيد ؟
وكان في العراق شيخ آخر بصري واسطي ، منكر الحديث ، فاحش الخطأ ، لا يضبط مرويّاته يُدعى ” سعيد بن بشير ” تحوّل من العراق والتحق بجند الشام فحمل معه الكذبة العراقية بثوب جديد وتحلية وزيادة فرواه عن أبي بشر جعفر بن إياس الواسطي عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية في الكلام الذي جرى بينهما في بيعة يزيد بن معاوية : وأنت يا معاوية حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا الآخر منهما “
قال الطبراني في الأوسط : ” لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن الزبير إلا سعيد بن جبير ، ولا عن سعيد إلا أبو بشر ، ولا عن أبي بشر إلا سعيد بن بشير ، تفرّد به زيد بن يحيى بن عبيد ” .
والحمل في هذه الكذبة على سعيد بن بشير إذ لم يرو أحد من أئمة العراق كالإمام شعبة ولا غيره من أصحاب أبي بشر هذا الحديث عنه بذلك الإسناد .
فلما انتقل الحديث إلى الشام بواسطة راوٍ معروف بمناكيره أخذ متنَ الحديث راوٍ شامي يدعى علي بن محمد بن إسماعيل العلوي فركّب له إسناداً شريفاً هاشمياً مسلسلاً بالأئمة رضوان الله عليهم فرواه عن أبيه عن يحيى بن أكثم القاضي عن المأمون أمير المؤمنين عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين عن ابن عباس عن علي بن بي طالب والعباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
رواه ابن عساكر في التاريخ في ترجمة العلوي ، ولا يُدرى من الكاذب فيه أهو العلوي ؟ أم أبوه ؟ أم يحيى بن أكثم القاضي ؟ فإن ابن أكثم هو كذلك متهم بالكذب والدجل وسرقة الأحاديث وتركيب الأسانيد ، قال علي بن الجنيد : ” كانوا لا يشكون أن يحيى كان يسرق الحديث ” .
وبهذا أصبح للحديث خمسة أسانيد !
يتبع