“ثم دخلت علينا في بلادنا هذه القوانينُ الإفرنجيةُ المترجمة، ونُقلت نقلاً حرفياً عن أمم لا صلةً لنا بها من دين أو عادة أو عُرف، فدخلت لتشوّه عقائدنا وتمسخَ من عاداتنا، وتلبسنا قشوراً زائفة تُسمّى المدنية“
[الشيخ أحمد محمد شاكر / خطاب سنة 1941/ الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر / صفحة 19]
قبل الخوض في مناقشة أطروحة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله التي أصبحت ركيزة حركة الإسلام السياسي في العصر الحديث، يجب الإقرار بصحة ما ادعاه في الشطر الأول من نقل القوانين الإفرنجية المترجمة نقلاً حرفياً عن أمم لا صلة لنا بها من دين أو عادة أو عُرف!
لكن قبل القفز إلى الشطر الثاني من كلامه، يجب الاعتراف بحقيقة أخرى وهي أن عامة تلك القوانين الإفرنجية الحديثة صدرت عن أنظمة علمانية تفصل الدين عن الدنيا وأن أكثر من 99 % من القوانين المشرعة والمعمول بها في أوروبا والعالم الغربي هي قوانين دنيوية لا صلة لها بالدين من قريب أو بعيد إلا باعتبار المقاصد العامة كتنظيم قواعد حركة المرور والطيران والإبحار للحفاظ على الروح الإنسانية فهذا موافق لمقاصد الدين الإسلامي وغير الإسلامي.
والسؤال هنا : هل نقل القوانين الوضعية الدنيوية نقلاً حرفياً عن أمم لا صلة لنا بها من دين أو عادة أو عُرف هو من المحرمات في الدين الإسلامي؟
الجواب : لا، بل الأصل هو إباحة نقل القوانين الوضعية الصالحة النافعة للمجتمع الإنساني، والأدلة على ذلك كثيرة جداً منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال :
“لما أراد النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أن يكتُبَ إلى الروم، قالوا: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – خاتماً من فضة”
قال أنس: كأني أنظر إلى وبيصه ونقشه؛ محمد رسول الله” .
تأمل كيف عمل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك القانون الوضعي المنقول حرفياً من أمة لا صلة للمسلمين بها من دين أو عادة أو عُرف، فلم يجادلهم ولم يُراجعهم لأن العمل بتلك القوانين الوضعية الدنيوية المستوردة الصالحة هو أمر مستحسن لا صلة له من قريب أو بعيد بآيات الحاكمية التي يتلاعب الجاهلون في تأويلها وتنزيلها كقوله تعالى :
“وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ“