لستُ مهووساً بنظرية المؤامرة، لأنّ المؤامرة – ببساطة – جُبْلَة بشرية،
كما أن اختلاف عقائد الناس وأديانهم من الطبائع البشرية، والله عزّ وجلّ يقول:
“ولو شاء ربُّك لجعل الناسَ أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رَحِمَ ربك”
والتحاسد هو كذلك من طبائع البشر، والتحاسد يجرّ – أحياناً – إلى التنافر، والتنافر يدعو – أحياناً – إلى حبك المؤامرات والمكائد والدسائس الخبيثة، أو ما نسمّيه بالتنافس غير الشريف. وهو خُلُق يتوارثه البشر منذ ابن آدم الأول.
يؤسفني أن أقول إنّ هذا الخُلُق الذميم وقع بين المسلمين أنفسهم، وشواهد ذلك من التاريخ لا تُحصى، ومن أمثلته خلاف المسلمين أنفسهم في بعض العقائد الدينية كخلافهم في القرآن الكريم؛ مخلوق أم غير مخلوق، وخلافهم في أسماء الله وصفاته؛ هل تأوّل أم تُحمل على ظاهرها من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه؟
الخلافات من هذا النوع كثيرة، وقد امتدّ النزاع الفكري فيها إلى قرون طويلة أدى في بعض الأحيان إلى التحاسد والتنافر بين المسلمين أنفسهم فحبك كل فريق مؤامراته ومكائده لتشويه صورة الآخر! فماذا عسانا ننتظر من غير المسلمين.
فعل الفقهاء من خصوم أبي إسماعيل الأنصاري الهروي في القرن الإسلامي الرابع، وكان شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي من كبار الحفّاظ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الأسماء والصفات، ألّف – رحمه الله – كتباً كثيرة في الرد على خصوم المذهب منها “ذمّ الكلام وأهله” وكان – رحمه الله – واسع العلم والمعرفة، يقول:
“إذا ذكرتُ التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير”
[يعني تفسير القرآن الكريم]
ويقول:
“أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا”
[يعني حفظ الأحاديث النبوية بأسانيدها]
وكان عالماً بفنون الجَدَل والمناظرة فتورّط خصومه وعجزوا عن إسكاته بالحُجج والبراهين فعمدوا إلى إسكاته بالسيف وفعلوا ذلك مراراً على طريقة الدواعش، عرضوه على السيف خمس مرات، لا يقال له: “ارجع عن مذهبك” بل يقال له : “اسكت عمن خالفك”، فكان يجيبهم بقوله:
“لا أسكت”
هذا شيء مدوّن في كتب الإسلام، هذا شيء لم يفعله اليهود ولا النصارى، ولا المجوس ولا الهندوس، بل فعله المسلمون بعضهم ببعض، فما فشلوا في إرغامه على السكوت عمد خصومه “المسلمون” إلى مؤامرة خبيثة لتشويه صورته وتشويه ديانته … تعالوا معي لنتذكّر تلك المؤامرة …