الجماعات الجهادية طلائع الإخوان المسلمين

نقلتُ لكم في المقال السابق بعضاً من الأهداف الاستراتيجية الغريبة التي نادى بها حسن البنا في بواكير نهضة الحراك الإسلامي السياسي أو ما يُعرف بالصحوة الإسلامية كالمطالبة بأن يكون البحر الأبيض المتوسط بُحيْرَية إسلامية وأن تعود البلقان وإسبانيا والبرتغال وجنوب إيطاليا وجزيرة صقلية وسائر جزائر البحر الأبيض المتوسط إلى سيادة الخلافة أو الامبراطورية الإسلامية كما يصفها البنا، وهو ضربٌ من الجنون الداعشي، ولو قال البنا نريد أن تكون سيادة الخلافة الإسلامية على كوكب المريخ لكان أقرب للمعقول فثمّة خلاء لا يزاحمه عليه أحد كما قال طرفة بن العبد لعصفورته :

يا لك من قنبَرَةٍ بمَــــعْمَرِ         

           خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي

وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أن تُنَقِّرِي        

           قَدْ رَحَلَ الصيادُ عنك فابْشِرِي

لكن الحقّ – والحقّ يُقال – أنّ الإمام حسن البنا قد نجح بتلك التصريحات الداعشية في إرضاء الرغبات المكبوتة لدى أقصى اليمين الإسلامي المتطرّف وقطاع عريض من الحراك الإسلامي السياسي، وهنا نذكر القارئ مرة أخرى بمخطط التفريخ وقول البنا:

“الطريق طويلة ولكن ليس هنالك غيرها …… فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نُضجها أو يقطف زهرة قبل أوانها فلستُ معه في ذلك بحال، وخيرٌ له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات”.

 [ رسائل الإمام حسن البنا]

في العصور القديمة كان الجيش الأكبر  يسمّى “الخميس” لانقسامه على خمسة ألوية؛ مقدمة ومؤخرة وميمنة وميسرة وقلب ترفع فيه راية القائد العام “رئيس الأركان”، وكانت هنالك تشكيلات عسكرية تسمّى “الطلائع” تنفصل عن الجيش فتسبقه إلى أرض العدو لغايات متنوعة.

وقد تنجح الطليعة بمناوراتها – أحياناً – في تحقيق النصر والفتح قبل وصول الجيش، كما حدث لطليعة طارق بن زياد الذي تعجّل في المسير إلى الأندلس ولم يصبر على وصيّة القائد العام موسى بن نصر الذي أوصاه بانتظاره، فلحق بطارق جماعة من المتعجّلين إلى لقاء العدو تتابعوا شيئاً فشيئاً حتى تكامل المسلمون اثني عشراً ألفاً ففتح بهم الأندلس،  وقيل إنّ موسى بن نصير لما بلغه ما صنع طارق حسدَه على شرف الفتح، حتى ذكر ابن الأثير وغيره من المؤرخين أنّ موسى بن نصير لما وصل متأخراً إلى الأندلس خرج إليه طارق بن زياد ليستقبل سيّدَه ويبشّره بالنصر فضربه موسى بالسوط على رأسه ووبّخه على ما كان من خلافه. وستعلم – أيها القارئ – لاحقاً لماذا أذكّركم هنا بقصة فتح الأندلس وحكاية الاثني عشر ألف متعجّل؟


    إنّ الطلائع المتعجّلة التي أذن لها البنا بالانفصال عن الجماعة الأم رفعت – في الواقع العملي – رتبة البنا من كابتن إلى أدميرال، ومن قائد سفينة واحدة إلى قائد أسطول، فهذا ما قصدته عند قولي بأنّه قد نجح بالانفراد في توجيه دفة الحراك الإسلامي السياسي ولم أقل “الحركة الإسلامية” فالدفة لا تتعلّق بجماعة واحدة. 

مروان حديد

 ولعلك تفهم – بعد ما تقدّم – لماذا اختار “مروان حديد” اسم “الطليعة” لتنظيمه المنشق في السبعينات عن الإخوان المسلمين لتعجيل الخروج المسلح على النظام السوري خلافاً لرغبة الجماعة الأم، وكان مروان شديد التعلّق بشخصية الإمام حسن البنا. 

نسخة للطبع نسخة للطبع