بعض الصحابة – رضوان الله عليهم – عُرفوا بالوراية عن أهل الكتاب وهي الأخبار التي اصطلح عليها عند العلماء بالإسرائيليّات، من أولئك الصحابة؛ أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وصهيب الرومي وغيرهم.
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ملومين برواية الإسرائيليّات لأنهم كانوا ينصحون فيفرزون ولا يخلطون، إذا حدّثوا الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّنوا للناس أن الخبر مرفوع إلى النبيِّ المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا حدثوا الناس بأخبار أهل الكتاب أو من عند أنفسهم بيّنوا ذلك، فتلك أحاديثهم وأحاديث الناس، الخلط واللبس لم يأتِ قطّ من الأصحاب، ولم يأتِ من المتقنين الحفّاظ، إنما جاء من بعض الرواة الذين ساء حفظهم وقلّ ضبطهم.
سُهيل بن أبي صالح راوي نبوءة دابق والأعماق، واحد ممن ابتلي بسوء الحفظ وقد روى هذا الحديث عن أبيه ذكوان السمّان الزيّات عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسهيل كان رجلاً صالحاً صدوقاً لكنه – للأسف – لم يضبط أحاديثه في كتاب محفوظ، يُرجع إليه عند الشكّ أو النسيان بل كان يعتمد على حفظه فكان أمره صالحاً إذ كان سالماً مُعافاً في جسده وعقله ولذلك روى عنه الإمام مالك بن أنس وهو الحكم في شيوخ أهل المدينة، الناقد لهم. وقيل إنّ مالكاً إنما أخذ عنه قبل التغيّر [سير أعلام النبلاء 5/460]
إلى هنا لا إشكال في سهيل وكل ما قيل فيه من الصلاح والصدق يُحمل على الحالة الأولى، الإشكال وقع بعد طارئ طرأ على سهيل فأفسد حفظه.
تعرّض سهيل لأمراض جسدية ونفسية عنيفة أدّت إلى إفساد حفظه فوقع في النسيان ثم الخلط والتناقض فيما رواه قبل المرض وبعده، وهذا الجرح المفسّر ثابت من وجوه عديدة.
قال علي بن المديني : “مات أخٌ لسهيل فوَجَدَ عليه، فنسي كثيراً من الحديث”.
وذكر نحوه البخاري في تاريخه.
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى عن شيخه الواقدي عن ابن أبي ذئب وغيره من أصحاب سهيل أنهم قالوا : “وَجَدَ سُهيل على أخيه عبّاد وَجداً شديداً حتى حَدَّثَ نفسَه”
وقال أبو الفتح الأزدي: “صدوق إلا أنه أصابه بِرسام في آخر عمره فذهب بعض حديثه”.
وقد روى الإمام أبو داود في السنن حديثاً مدنيَّ الإسناد من طريق عبد العزيز الداروردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن بي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً ، ثم قال الإمام أبو داود :
“وزادني الربيع بن سليمان المؤذن في هذا الحديث قال أخبرني الشافعي عن عبد العزيز قال فذكرتُ ذلك لسهيل، فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدّثته إياه ولا أحفظه، قال عبد العزيز : وقد كانت أصابت سهيلاً علّة أذهبت بعضَ عقله ونسي بعضَ حديثه، فكان سهيل بعدُ يحدث عن ربيعة عن نفسه عن أبيه”.
وهذه الحكاية من شواهد السيوطي في كتابه : “تذكرة المؤتسي فيمن حدّث ونسي”.
وهنا مكمن الخطورة لأنّ سهيلاً لو أنه أمسَكَ عن التحديث بعد مرضه لما كان لاعتلاله ضررٌ، لكنه استمرّ بالتحديث والرواية بعد المرض والنسيان ولم يكن لديه كتاب يرجع إليه، وليتَ الأمرَ قد اقتصر على النسيان فحسب، فقد ثبت أن سهيلاً حدّث بعد مرضه بأحاديث عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرويها قبل مرضه عن أبيه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار أو عن أبي هريرة موقوفاً من قوله.
هذه – وربّ محمد – علّة قادحة بالغة الخطورة لا يستخفّ بها إلا من لا يعرف قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم …
فللحديث بقية