الدهاء السياسي وخداع المجاهدين

حين أرى ما يتعرّض له شبابنا من خداع باسم الدين من قبل زعمائهم المحتالين كالظواهري وأمثاله أتذكر قول عمر بن الخطاب لمعلّم القرآن أُبيّ بن كعب رضي الله عنهما لما طلب الإمارة قائلاً :

“ما لك لا تستعملني”؟

فأجابه عمر : 

“أكرهُ أن يُدَنّس دينُك”

[ رواه ابن سعد في الطبقات ]

الدين حكاية والسياسة حكاية أخرى كما روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين بإسناده عن مسروق أنه قال :

“القضاة أربعة عمر وعليّ وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري”.

وهؤلاء اشتغلوا في السياسة لكنهم برعوا في الفقه والقضاء وقد روي نحوه عن الشعبي وهو من أئمة التابعين فزاد :

“القضاة أربعة؛ أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى، والدُهاة أربعة؛ معاوية وعمرو والمغيرة وزياد” .

والأثر أسنده هبة الله الطبري في أصول اعتقاد أهل السنة عن الشعبي ولفظه: 

“الدهاة أربعة؛ معاوية للأناة والحِلم، وعمرو للداهية والحرب، والمغيرة للمُعضلات الشدائد، وزياد على الصغير والكبير”.

ويُروى نحوه عن الأصمعي أنه قال:

 “الدهاة أربعة : معاوية للروية، وعمرو بن العاص للبديهة والمغيرة بن شعبة للمعضلة وزياد لكل كبيرة وصغيرة”.

والمقصود بالأربعة؛ هم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه هؤلاء كانوا باتفاق العلماء أدهى دهاة العرب، لا خلاف في ذلك، ولم يزل أهل السياسة والرياسة ينهلون من إبداعاتهم وحِيَلهم في هذا المجال حتى يومنا، بل إن الصاحبي الجليل عبد الله بن عمر قد اعترف بتفوّق معاوية على أبيه الفاروق عمر بن الخطاب في هذا المجال كما روى الطبراني وابن أبي عاصم والخلال وغيرهم بإسناد صحيح عنه أنه قال:

 “واللهِ ما رأيتُ بعد رسول الله أسْوَدَ من معاوية”

فقيل له: 

ولا أبو بكر ؟

قال : “ولا أبو بكر ، قد كان أبو بكر سيّداً وخيراً منه وكان معاوية أسوَدَ منه”.

فقيل له : ولا أبوك – يعني الفاروق عمر بن الخطاب ؟ ولا عثمان ؟ فأجاب بنحو ما أجاب في أبي بكر الصديق رضي الله عنهم.

وكلمة “أسود” على صيغة التفضيل “أفْعَل” من السيادة أي لم ير أحداً بعد رسول الله مثل معاوية في السيادة والقدرة على بسط النفوذ والسلطان .

هؤلاء الدهاة الأربعة الذين ذكرنا أسماءهم آنفاً أُثِرَتْ عنهم أفعالٌ وأقوال متعلقة بالسياسة والرياسة وتدبير الأمور أصبحت للناس مضربَ أمثالٍ يستشهدون بها في المدلهمّات لفكّ المعضلات وحلّ الألغاز والحيَل السياسية كما ذكر الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه “الأمثال”.

وانطلاقاً من هذه المقدّمة سأكشف للشباب المجاهدين في عصرنا كيف يتمّ التلاعب بهم وخداعهم بحِيَلٍ يوظّف فيها الدين لأغراض سياسية، وكيف يتم التغرير بهم ورميهم في محارق جهادية لا يجني ثمارها إلا دهاةٌ يتلذّذون بأكل الشواء ويعرفون من أين تؤكل الكتف كما يؤثر عن دهاة العرب .

نسخة للطبع نسخة للطبع