في عصر التكفير والتفجير والمفخخات والأحزمة الناسفة في بلاد المسلمين وغيرها برز مصطلح “الخلايا النائمة”، وهو على ما يبدو لقب مقتبس من ظاهرة الأورام الخبيثة أو ما يُعرف بالخلايا السرطانية التي تنشأ في جسم المريض بمنظومة الخلايا النائمة فلا يتفطن لها المريض ولا الطبيب إلا بعد فوات الأوان حين تنشط وتبدأ بالانشطار والانفجار.
ثم ظهر للمفكّرين والمثقّفين أنّ المصطلح الأول ليس دقيقاً بعد أنْ تبيّن أن أغلب أوكار المخربين والمفسدين هي عبارة عن كمائن تكمن فيها الخلايا النائمة، فهي الكامنة والناس من حولهم هم النائمون الغافلون، فاستُبْدِلَ مصطلح الخلايا النائمة بالذئاب المنفردة.
وهو الأشبه والأقرب للواقع لأنّ الذئاب وحوش معروفة بالغدر والخُبث لها تركيبة خاصة، ولكلّ وحش من الوحوش الغاب والبراري تركيبته الخاصة يسمّيها علماء الأحياء “قوانين الطبيعة” ونسمّيها نحن : “فطرة الله” والمعنى واحد .
الذئب مخيفٌ ؛ كريهُ المنظر إذا كشّر عن أنيابه وتهيّأ للافتراس ولذلك اعترض بعض الأولين على الحديث النبوي في الكلب الأسود بقولهم : “الذئب أحقّ بأن يكون شيطاناً من الكلب” ولذلك الاعتراض جواب ليس هذا محلّه.
والناس يحسبون أنّ الذئب مخلوقٌ نزعت من قلبه خصال الخوف والجبن والخور – خاصة – حين يرون التخريب الهائل الذي يحدثه غزاةُ زرائب الغنم إذا تسللوا إليها ليلاً في غفلة من حُماتها ..
وليس الأمر بالمُطلق فللذئب تركيبة خاصة يعرفها أهل الخبرة والاختصاص !
هو مزيج بقدرٍ معلوم من غرائز الغدر والخبث، والمكر والخداع، والتوحّش والعنف، والحبّ والحنان، والخوف والجبن، والحذر والغش …
لئيم لو أحسنتَ إليه الدهرَ لا تأمنه
والله جلّ وعلا يقول :
“وإنْ مِنْ شيءٍ إلا عندنا خزائنه وما ننزّله إلا بقَدَرٍ معلوم”
“إنا كلّ شيء خلقناه بقَدَر”
طباع الذئب كانت معروفة عند العرب في العصور الأولى قبل فُشُو العمران ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
“إنما يأكل الذئبُ من الغَنَم القاصية”
والحديث النبوي يدل على علم المُخاطَبين بطباع الذئب، يأكل من الغنم القاصية المنفردة الغافلة ويتجنّب اليقظة المجتمعة تحت ظلّ السلطان والحراسة، ولولا معرفة إخوة يوسف عليه السلام بتلك الطباع لما اختاروا الذئب في التزوير عليه بقولهم :
“يا أبانا إنا ذهبنا نستبقُ وتركنا يوسفَ عند متاعنا فأكَلَهُ الذئب”
والثعلب المكّار أخو الذئب الغدّار لكن طباعه الغريزية ممزوجة بمقادير مختلفة لأنه الأضعف بُنيةً والأقصر ناباً فغلب عليه الروغان والكذب والنفاق.
ومن عجائب الطبيعة التي لا يعلمها كثير من سكّان المُدُن والحواضر أنّ الذئب المنفرد هو من أشدّ المخلوقات حَذراً وهَلَعاً وحيطة لا يأمن المقرّبين ولا ينعم بنَوْم قط ، فإذا نام أغمض عيناً وأبقى الأخرى يرصد بها ويترقّب ، وهذه الخصلة كانت تعرفها العرب منذ قديم الزمان كما ذكر الجاحظ في كتاب “الحيوان” ، وفي ذلك يقول الشاعر العربي المخضرم ، الصحابي الجليل حميد بن ثورٍ الهلالي – رضي الله عنه – في وصف الذئب :
ينامُ بإحدى مُقلَتَيْه ويتّقي الــــ
منايا بأُخرى فهو يقظان هاجعُ
ونحوه قول الشاعر الجاهلي ابن السلكة التميمي :
ينام بإحدى مُقلتَيْه ويتّقي
بأخرى المنايا من خلال المسالِكِ
هذا باختصار كان حال المطلوبين للعدالة من أصحاب ابن لادن والظواهري لمّا غمسوا أيديَهم بدماء المسلمين والأبرياء في بلاد المسلمين فنبَذَهم الناس ونفروا منهم حتى أصبح أحدهم لا يكاد ينعم بنوم من شدّة الخوف والحذَر فكتب لهم مفتيهم الشيخ عبد العزيز الجربوع كتاباً سمّاه : “المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار” أحلّ لهم فيه ما حرّم الله في كتابه الكريم فباتوا الليالي يترقّبون وقد زنّروا خواصرهم بالأحزمة الناسفة ! تلك هي الذئاب المنفردة.