قال الله جل وعلا :
” ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة “
منا معشر المسلمين من يحسن الدعوة إلى دين الإسلام بالحِكْمة والموعظة الحسنة ، ومنا من يسيء إلى الإسلام فينفّر الناس منه …
قال – تعالى – :
” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ”
هذا ما كان يخشى منه رسول الله ؛ أن يكون المؤمن المسلم سبباً في فتنة الكافرين وانفضاض المؤمنين عن الإسلام ، ولذلك كان يحذّر أتباعه فيقول لهم : ” يا أيها الناس إنّ منكم منفّرين ” . وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن : ” يسّرا ولا تعسّرا ، وبشّرا ولا تُنفّرا ” .
هنا ، أدعوكم إلى تأمّل الفارق الكبير بين عبقرية السلف وحماقة الخلف في وصف محمد نبي الإسلام لتعلموا أن اللوم في النيل من الرسول لا يقع على الصحف الساخرة الكافرة – وحدها – لأنّ فينا معشر المسلمين منفّرين قد سبقوا الكافرين في الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
سأضرب لكم مثلاً فتأمّلوه …
قال الله تبارك وتعالى في سورة الأحقاف / آية 10 :
” وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ”
هل تعلم من ذلك الشاهد الإسرائيلي الذي تكلم عنه القرآن الكريم ؟
هو سيدنا عبد الله بن سلام الحبر اليهودي الذي شهد على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فآمن وأسلم فشهد له النبي بالجنة .
كان ابن سلام من يهود المدينة المنورة وكان سيّداً وجيهاً عالماً من أحبار اليهود ، أسلم في اليوم الأول أو الأيام الأولى من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة لما قدم ” قباء ” أو بعد أن نزل بدار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، وكان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة في شهر ربيع الأول من السنة الهجرية الأولى وتوفي في شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر فاستكمل رسول الله في هجرته وإقامته في المدينة المنورة عشر سنين كوامل كما قال ابن اسحاق وغيره من المؤرخين .
في تلك الفترة الزاهرة من تاريخ الأمة الإسلامية كان الرسول المصطفى قطبَ المسلمين بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ..
أصحابه من حوله أينما حلّ وارتحل ، يبرز إليهم فيدنون منه ، ويجلسون معه ، وينصتون إليه ، يعدّون أنفاسه ويحفظون كلماته حرفاً حرفاً ويتبركون بالنظر إلى وجهه الكريم ليس بينهم وبينه حاجب ولا ساتر .
ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ففاز أصحابه بفضيلة الصحبة والنظر إلى وجهه الكريم ، ثم توافد التابعون لهم بإحسان من مشارق الأرض ومغاربها ليسألوا من بقي من الأصحاب عن صفة نبيّهم وسيرته وأيامه وأقواله وأفعاله وشمائله ومعجزاته صلى الله عليه وسلم .
فاستمعوا يا معشر المسلمين إلى شهادة عبد الله بن سلام رضي الله عنه ..
تخطى سيدنا عبد الله بن سلام الوصف التقليدي فلم ينشغل بوصف الطول والعرض ، أو اللحية والثوب ، أو الجِلسة والمِشية ، وهذا محفوظ بأدق التفاصيل والحمد لله ، لكنّ الله أغنى عنه بقوله جل وعلا : ” قل إنما أنا بشرٌ مثلكم ” .
وإذ قد أعرض عبد الله بن سلام عن وصف الصورة المحمدية بأبعادها الثلاثية وقد صحبه عشر سنين كوامل فما هي الصورة التي رسمها في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
للحديث بقية