نظام الرق شاع في الأمم الإنسانية كالإغريق والروم والفرس والترك والهند والحبشة وغيرهم من الأمم العظيمة في العصور السحيقة قبل الإسلام ثم انتقل إلى العرب . قيل : إنّ ” سبأ ” هو أول من سبا فسمّي به وإليه تُنسب المملكة المذكورة في القرآن الكريم ، فلما ظهرت أسواق النخاسة وأصبحت تجارة العبيد رائجة مربحة وكانت جزيرة العرب حلقة وصل في التجارة الدولية بين فارس والروم واليمن والحبشة فشا السبي بين العرب وقطعت السُبل وأغار بعضهم على بعض وتخطّف بعضهم بعضاً ، وقد وصف الله ذلك المشهد المتوحّش البهيمي بقوله سبحانه وتعالى يمنّ على قريش:
” أَوَلَم يروا أنا جعلنا حَرَماً آمناً ويُتخطّف الناس من حولهم ، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يجحدون”[ 29/67 ] .
ثم دفعت غَيرةُ العرب وما امتازوا به من حفظ الأنساب إلى ابتداع سنن جاهلية اختصوا بها عن سائر الأمم الشعوبية !
منها ؛ أن الخصمين كانا إذا خرجا للحرب ، يَصحَبُ كلّ خصم منهما أنفَسَ ما لديه من النساء والذراري والأموال إلى ساحة الحرب ويقولون : ” هما لمن غلب ” ، ليشعلوا حميّة الجاهلية ونار الغيرة والحماسة فتقوى نفوس المقاتلين خشية السباء .
منها ؛ وأد البنات ، فكان الضعيف ممن يخشى الخصوم يدفن ابنته حيّة خشية السباء ، يدسّها في التراب فيقتلها بغير ذنب ، وقيل : إن أوّل من فعل ذلك من العرب قبل الإسلام هو قيس بن عاصم التميمي ، كان أغار عليه بعض أعدائه ، فسبى ابنة قيس ، فاتخذها لنفسه ثم اصطلحا فخيّر ابنة قيس فاختارت زوجها وأبت الرجوع إلى أهلها ، فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حيّة ، فتبعته العرب على ذلك . وأنزل الله تعالى في كتابه الكريم يصف ذلك الجهل والغباء بقوله سبحانه وتعالى :
” وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهُه مسودّاً وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سُوء ما بُشّر به ، أيمسكه على هُون أم يدسّه في التراب ، ألا ساء ما يحكمون ” [16/58-59 ] .
ومنها ؛ بروز التمييز العنصري والطبقي بين الناس وغير ذلك من التقاليد والسنن الجاهلية …
حتى جاء الإسلام رحمة للعالمين ، وبُعث رسول الله بالعدل والإحسان ، فأمر بالمساواة بين الناس ، فتقبّل ذو القلب السليم ، وأعرض ذو القلب السقيم ، وتعمّد النبي صلى الله عليه وسلم بحكمته أن يبرز للناس في حجة الوداع وهو يردف حبيبه أسامة بن زيد على ناقته حتى يراهما الناس صِنْوَينِ على مقام واحد …
مشهد لم تألفه العرب …
أسامة ” حِبُّ رسول الله ” كان غلاماً حديث السن ، أسود أفطس من الموالي فما أوصله إلى المقام العالي …
كره من لم يفقه الإسلام ومقاصده من المسلمين المتعجرفين ذلك المشهد ففتنه الله به كما روى ابن سعد في الطبقات 4 / 63 : قال أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخّر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة بن زيد ينتظره، فجاء غلام أفطس أسود ، فقال أهل اليمن: إنما حُبسنا من أجل هذا ؟؟؟؟
قال : فلذلك كفر أهل اليمن من أجل ذا .
قال ابن سعد: قلت ليزيد بن هارون ما يعني بقوله : كفر أهل اليمن من أجل هذا؟ فقال : ردّتهم حين ارتدوا في زمن أبي بكر إنما كانت لاستخفافهم بأمر النبي، صلى الله عليه وسلم ” ..
كان ذلك في حجة الوداع يوم عرفة فلما كان وسط أيام التشريق خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال لهم :
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، أَلا وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، أَلا لا فَضْلَ لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى ، أَلا قَدْ بَلَّغْتُ ؟ “
قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : ” لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ “.
ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بالقضاء على الرق والتمييز العنصري .