الرق والعبودية في الإسلام ج4

فُتحت أمصار الأرض ، فغابت ظلمة الجاهلية ، وأشرقت الأرض بنور الإسلام …
صعد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر فقال لعمّاله وولاته :  

” ألا إني أبعث عمّالي ليعلّموكم دينكم ويعلموكم سُنَنكم ولا أبعثهم ليضربوا ظهورَكم ولا ليأخذوا أموالكم ، ألا فمن أتى إليه شيء من ذلك فليرفعه إليّ ، فَوَ الذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه ” [ أي أعاقبه بالمثل ] . 

فقام عمرو بن العاص فقال : أريت يا أمير المؤمنين إنْ عَتِب عامل من عمالك على بعض رعيّته فأدّب رجلاً من رعيّته إنك لمقصّه منه ؟

قال : نعم ، والذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه ، ألا أقصه وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصّ من نفسه ” .

ثم وقعت الحادثة الشهيرة بين القبطي وابن عمرو بن العاص حاكم مصر في ذلك الزمان ، وجرت بعض أحداث تلك القصة في المدينة المنورة فشهدها أنس بن مالك رضي الله عنه ، وكان أنس قد سكن البصرة فرواها عنه البصريّون حتى أعادها أسد بن الموسى البصري المصري الملقّب بأسد السنة حين تحوّل من البصرة إلى مصر فحمل معه إليهم هذه الرواية البصرية التي تعتبر أعظم هدية للمصريّين خاصة والأمم الإنسانية عامةً ، سمعها منه ابن عبد الحكم فحَلّى بها كتابه فتوح مصر قال : وحدثنا [ يعني أسد بن موسى ] عن أبي عبدة [ بصري ثقة ] عن ثابت البناني وحميد عن أنس [ فالإسناد صحيح متصل بالثقات الأئمة ] ، وفيه أن القبطي لما جاء عمر [ يعني في المدينة المنورة ]  قال له : 

يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم !

قال أمير المؤمنين عمر : 

عُذتَ معاذاً !

قال : سابقتُ ابنَ عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربني بالسوط ويقول : أنا ابنُ الأكرمين .

فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ، ويقدم بابنه معه ، فقدم .

فقال عمر : 

أين المصري ؟ خُذِ السَوط فاضرب

فجعل يضربه بالسوط . 

ويقول عمر : 

اضرب ابنَ الألئمين

قال أنس بن مالك راوي الحديث : فضرب ، فَوَالله لقد ضربه ونحن نحب ضَرْبَه ، فما أقلع عنه حتى تمنّينا أنه يرفعه عنه ، ثم قال عمر للمصري :

ضعْ على ضَلْعَة عمرو

 [ أي اضرب ظهر عمرو حاكم مصر ] فقال : يا أمير المؤمنين : إنما ابنه الذي ضربني ، وقد اشتفيتُ منه ، فقال عمر لعمرو :

” مُذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً “

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش : الحديث الذي يحتج به بعض الناس وفيه ذكر ” دابق ” وفيه قوله  : ” خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا ” الحديث هو حديث ضعيف لا يصح وإن رواه مسلم لأنه من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، وهي صحيفة رواها مسلم وأعرض عنها البخاري لما فيها من شك وضعف ، فسهيل بن أبي صالح كان قد أصيب بمرض خطير في عقله فنسي حديثه واختلط روايته ولم يتابع على هذه الرواية .

نسخة للطبع نسخة للطبع