وكان الملك عبد العزيز – رحمه الله – قد أدخل أول سيارة أجنبية مستوردة إلى الرياض 1921 فولّى الناس مدبرين خوفاً وهلعاً وهم يصيحون : ” حديد يمشي ” ، ومع مرور الزمن أنِسوها وألِفوها فقدّم لها بعضهم الحشائش والبرسيمَ لتعلفها فلم تأكلها ، فتعنّت بعضهم فقال : ” هذه دابّة الشيطان التي تنبّأ بها النبي صلى الله عليه وسلم ” [ سأذكر لاحقاً تلك النبوءة ] … قد يُظن أني أذكر ذلك من باب المبالغة والتندّر بذكر الطرائف …
كما أدخل رحمه الله إلى الرياض العجلةَ الهوائية [ البسكليت ] فكان يستعملها عمّال الملك عبد العزيز في السُخرة وقضاء الحوائج الهامة على عجل فربّما تعرّض بعضهم للضرب مِنْ قِبَل المتشدّدين [ الإخوان ] ، ومن الطريف أن تعلم أن العجلة الهوائية كانت تسمى بلغة نجد في بدايات القرن العشرين بـ ” عَرَبَة الشيطان ” و ” حصان الشيطان ” …
صدّق أو لا تصدّق … سمعتُ ذلك من شيوخ أدركوا ذلك العصر …
وذكر ذلك المؤرخ الكبير ” حافظ هبة ” مستشار الملك عبد العزيز في كتابه العجيب ” تاريخ جزيرة العرب في القرن العشرين ” .
وقد نقل المستشار حافظ هبة عن الملك عبد العزيز كلمةً كان يقولها تدلّ على عمق الفهم والفقه ، كان رحمه الله يقول :
” إنّ الإخوان يجب احتمالهم ومهما فعلوا فحالتهم الآن خير من حالتهم الأولى ، وأما هذه الغيرة والشدّة فالزمن كفيل بتخفيف حدّتها “[ كتاب جزيرة العرب في القرن العشرين / صفحة 315 ]
هذا يدل أن الملك الراحل رحمه الله كان يُدرك أن العُقدة المعضلة في التفقّه الإسلامي الحديث سببها انغماس المتديّنين من قومه في بحر من الجاهلية المركّبة ….
ونذكّر مرّة أخرى أن الكلام هنا يتعلّق بالجهل في علوم الدنيا والطبيعة والعلوم الحديثة ، وكما قلتُ في المقال السابق : إن الإصلاح يبدأ بالإقرار والاعتراف والتشخيص السليم لمواطن العطب …
كان – رحمه الله – يرى أنّ الزمن كفيل بتخفيف حدّة التعصّب الديني يعني حين يُدرك الفقهاء البدو كُنْهَ تلك الآلات والابتكارات وما تجلبه من نفع ومصلحة .