جرائم الحرب، والقبائح الهمجية التي ارتكبها جنكزخان في بلاد الإسلام تخرج عن الإحصاء كما قال الشاهد على العصر الحافظ ابن الأثير – رحمه الله – وذلك وحده كافٍ للتغطية عن الغلطة الأولى التي وقعت على أطراف الحدود النائية لبلاد الإسلام وتسبّبت بالكارثة.
رحم الله ابنَ الأثير لو شاء لكتَم ذلك الجزء اليسير من الحكاية لكنه أبى إلا أن يكشف للمسلمين الحقيقة الكاملة فاعترف بأنّ بعضاً من المسلمين فعلوا الأفاعيل وكانوا هم البادئين بالعدوان، وأن الفقيه الإمام علاء الدين “خوارزم شاه” هو نفسه متورّط في إشعال فتيل تلك الكارثة وقد ندم على فعلته، ولم توفّق بطانته في النصح له، ونفخ أهل الرأي والشورى كبرياءَه بقولهم:
“عساكرُك كُثر ، ونُكاتب الأطراف ونجمع العساكر ، ويكون النفير عاماً فإنه يجب على المسلمين عامة مساعدتك بالمال والنفس”.
أما جنكزخان فأرسل إلى أمير المسلمين خوارزم شاه رسالة بعد العدوان على حُرَمِه هذا نصّها :
“تقتلون أصحابي، وتأخذون أموالهم، استعدّوا للحرب فإني واصل إليكم بجَمْعٍ لا قِبَل لكم به”.
فلما سمعها خوارزم شاه أمر بقتل رسوله [أي السفير] فقُتل، وأمر بحلق لِحى الجماعة الذين كانوا معه! وأعادهم إلى صاحبهم جنكزخان يُخبرونه بما فعل بالرسول ويقولون إن خوارزم شاه يقول لك :
“أنا سائر إليك ولو أنك في آخر الدنيا حتى أنتقم وأفعل بك كما فعلتُ بأصحابك”.
[ الكامل في التاريخ 9/331]
فتأمل كيف أخطأ الإمام الفقيه مرة أخرى فلم يُصلح ما أفسده في الغلطة الأولى، ركبَه الغرور الإسلامي فخالف الأعراف وجانب الصواب، وزاغ عن شرع الإسلام الذي ينتسب إليه فتوّعد جنكزخان بحلق لحيته وإذلاله كما فعل بسفيره، وهل يجوز ذلك في الشرع الإسلامي؟؟
وأيمُ اللهِ هذا هو السَّفه الداعشي !
هذا الذي هيّج الكفرة الفجرة من التتر عبّاد الشمس على بلاد الإسلام، ودفع جنكزخان إلى إلغاء جميع الأعراف والقِيَم الأخلاقية في حرب الإسلام وأهله معاقبةً بالمثل، فنقض العهود وهتك الأعراض وأسرف في القتل حتى ازلقت الخيل من كثرة الدماء كما شهد الشاهد على العصر.