تقدّم في حديثي عن “عام الرمادة” أنّ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخشى “وجبة البحر” على العرب، ولذلك كان ينهى في سِنِيِّه الأولى عن رَكوب البحر، لأنّ المضيق المعروف في زماننا بمضيق تيران الممتد إلى ملتقى مجمع الخليجين وهي الطريق إلى أيلة والقلزم كانت منطقة خطرة جداً على الملاحة البحرية في ذلك الزمان لكونها منطقة تصادم الريح والتيارات البحرية بحركة المد والجزر، هنالك كانت تتحطم السفن فيبتلع البحر ما شاء الله، وهي الظاهرة البحرية التي كانت تسمّيها العرب: بـ”وَجبَة البحر”.
ففي الزمان القديم كان ذلك المثلث يشبه مثلث برمودا ولذلك نُسجت الأساطير العربية المخيفة عن وجبة البحر الأخضر [وهو الأحمر] بنقص وزيادة !
وكان سكّان الساحل الشرقي من أهل الحجاز في العصور القديمة يلتقطون النفايات من حطام السفن وأحمالها فيبيعونها في الأسواق كما ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان عن أشقياء لخم تيران، أما قبل الإسلام فكانوا يسترقون من نجا من الغارقين فيستعبدونهم أو يبيعونهم كما جاء في التوراة أن الإسماعيلية أي العرب لما التقطوا سيدنا يوسف عليه السلام حملوه فباعوه في الأسواق المصرية.
وعليه فإنّ العثور على مخروطات أو تماثيل فرعونية في شبه الجزيرة العربية لا يكفي للدلالة على الاحتلال الفرعوني كما زعم الدكتور وسيم السيسي، لكن ما الحيلة في باحث من القرن الحادي والعشرين يعتقد أنّ حدود الحضارة الفرعونية بلغت قارة أستراليا ودليله في ذلك قولهم للشمس “را” من “رع” الفرعونية !
فذاك كما ترى نتاج فوضى الثورات وخبل التعصّب في النزاع على تيران وصنافير أو تيراع كما يزعم الوسيم !
ومثال ما ذكرتُه من كتب المؤرخين ما رواه ابن جرير الطبري بإسناده عن ابن إسحاق في حديث بناء الكعبة قال:
“وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جُدّة لرجل من تجار الروم فتحطّمت فأخذوا خشبها فأعدّوه لسقفها، وكان بمكة رجل قبطي نجّار، فتهيّأ لهم في أنفسهم بعض ما يُصلحها .”
[تاريخ ابن جرير الطبري 2/287]
أيها العقلاء إنّ الحضارة الفرعونية عظيمة وعريقة وشامخة كشموخ الأهرامات فلا تشوّهوها بعبث التزوير.
لا يوجد – البتة – دليل علمي معتمد يدل على أنّ الفراعنة هم بناة الكعبة المشرفة، وغاية ما هنالك أن الكعبة المشرفة التي رفع بناءها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لما احترقت وتحطّمت قبيل البعثة المحمدية أعادت قبائل قريش بناءها وشاركهم النبي صلى الله عليه وسلم في رفع الحجر الأسود، وغاية ما في الخبر هو استعانتهم بالنجار القبطي للاستفادة من حطام السفينة الرومية في بناء سقف الكعبة، وهو – وأيم الله – شرف عظيم للقبط، ويستفاد منه كذلك معرفة سرّ وجود صورة المسيح بن مريم وأمّه – عليهما السلام – في جوف الكعبة إن صحّت الروايات التي أخرجها عمر بن شبة في تاريخ مكة، فربما كانت مخروطة على بقايا الحطام الرومي أو نقشها النجار القبطي بيده، والله أعلم.
أيها المتنازعون إن كُنتم تحبون الغرائب فأنا سآتيكم – إنْ شاء الله – بأغرب العجائب التاريخية عن تيران وصنافير …
ترقّبوا !!
واستعدوا لرَوْعة الصدمة الآتية