“الشورى” من حيثُ العموم أمرٌ حَسَن مشروع في الإسلام، لا أعلم خلافاً فيه، فلا جديد في ذلك، لأنّ النصوص الدالة على مشروعية الشورى من القرآن الكريم والسنة النبوية وسنة السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم متواترة فلا مجال للشكّ في مشروعيتها أو الشكّ في فضلها وحُسنها، قال الحسن البصري:
“ما شاور قوم قط إلا هُدُوا لأرشَد أمورهم”
[رواه ابن جرير الطبري]
كلامي هنا ليس عن مشروعية الشورى و فضلها وحُسنها، هذا من المُسلَّمات، كلامي هنا عن صنف خاص من أصناف الشورى يزعم أهل الجهالة أنه من المحرّمات لأنه نشأ في عهد الملك كنيشكا قبل الإسلام.
وتجنّباً للتطويل والتدليس والتلبيس فإنّ الكلام يتعلّق بنوعٍ خاص من الشورى وأعني به “الشورى القبلية” أو ما يُسمى بلسان البشتو بالــ”جيرغا”.
هذا الصنف الخاص المبني [بالضرورة] على النظام الاجتماعي القبلي هو كذلك حسنٌ جائز مشروع في الإسلام. كما سأبيّن بالدليل القاطع من القرآن الكريم والسنة النبوية والتاريخ الإسلامي، لكن يُستحسَن البدء بسرد بعض أصناف الشورى ليعلم القارئ ما الذي أعنيه بتنوّع أصناف الشورى وما الذي قصدته في قولي إنّ اللويا جيرغا مذكورة في القرآن الكريم .
الشورى أصناف كثيرة وأنواع، منها على سبيل المثال لا الحصر؛
– الشورى العامّة في تدبير الشأن العام أي الأمر العام الكُلّي المتعلّق بالأُمة عامّةً كقول الله تعالى في سورة آل عمران “وشاورهم في الأمر” ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للناس يوم الحديبية ” أشيروا عليّ”.
– ومنها الشورى الخاصة في تدبير الشأن العام أو تدبير شأن خاص متعلق بالشأن العام كما حصل في غزوة بدر لما استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عامةَ في خوض الحرب فقام أبو بكر فقال فأحسن [أي وافق] ثم قال عمر كذلك ثم قال المقداد كذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أشيروا عليّ أيها الناس”، قال فعرفوا أنه يريد الأنصار وكان يتخوّف أن لا يوافقوه فقام سعد بن معاذ فقال : كأنك يا رسول الله تُريدُنا، قال: أجل، قال: أنا أجيب عن الأنصار .. وذكر بقية الحديث.
– ومنها الشورى الخاصة في تدبير الشأن الخاص كما في صحيح البخاري في حديث الإفك لما استلبث الوحي فـ”دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب وأسامةَ بن زيد يستشيرهما في فراق أهله”.
وهنالك أصناف وأنواع أخرى من الشورى، ونكتفي بما تقدّم لبيان بعض أوجه التنوّع في الشورى.
ومن تلك الأصناف التي أقرّها الإسلام، ورضي عنها الرحمن فأنزل فيها القرآن:
“الشورى القبلية” أو “اللويا جيرغا”
وهي من صنف الشورى الخاصة في تدبير الشأن الخاص أو تدبير الشأن الخاص المرتبط بالشأن العام.
هذا الصنف بنوعيه هو الذي أثنى عليه الله – جلّ وعلا – في سورة الشورى فقال سبحانه وتعالى:
“والذين استجابوا لربّهم، وأقاموا الصلاة، وأمرُهُم شورى بينهم”
هذه الآية ليست كآية سورة آل عمران، هذه الآية لم تنزل في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا المسلمين عامة، هذه الآية نزلت في قبائل الأنصار من الأوس والخزرج خاصة في مدح الشورى القبلية خاصّة..
قال الإمام النسفي في تفسيره:
“نزلت هذه الآية في الأنصار، دعاهم الله عز وجل للإيمان به وطاعته فاستجابوا له “وأمرهم شورى بينهم” أي ذو شورى لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه”.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي : “وأمرهم شورى” يعني به الأنصار، كانوا قبل الإسلام وقبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يهمّهم أمر اجتمعوا فتشاورا بينهم وأخذوا به، فأثنى الله عليهم خيراً”اهـ .
وكذلك قال المفسّرون: هذه الآية نزلت في مدح صنيع الأوس والخزرج خاصة، وهي للمسلمين عامة لأنّ الله تبارك وتعالى أقرّ صنيع الأنصار وأثنى عليه رضيه فدلّ ذلك فضل الاقتداء بهم، فتبيّن مما تقدّم أنّ “اللويا جيرغا” هي الصنف المحظوظ الذي خصّه الله تبارك وتعالى بالثناء والمدح في سورة الشورى.
فاطمئن أيها الشعب الأفغاني المسلم !
وأبشروا بالمفاجأة النبوية … ؟
يتبع