من أشكل عليه فهم المراد من قول الشيخ ابن بيه : “الأمة بحاجة إلى مراجعة وليس إلى تراجع” فليرجع إلى ما كتبته في مقالات سابقة تحت عنوان “تجديد الدين الإسلامي” و “تجديد الدين الإسلامي بتطويره وتحديثه” في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلّ مائة سنة من يُجدّد لها دينَها” وقد ذكرت هنالك أن التجديد له صُوَر وأصناف:
فمن التجديد إحياءُ ما اندرس من محاسن الإسلام وتصفيته من الشوائب وتطهيره من العوالق الدخيلة الباطلة كما يُنَقّى الثوب الأبيض من الدنس والأوساخ فيعود جديداً غضّاً طريّاً كما نزل.
– ومنه تجديدٌ بتطويره وتحديثه بما يناسب الزمان والمكان وتبدّل الأحوال وعلل الأحكام، وقد ذكرتُ أنّ هذا الصنف من التجديد يجب أن يكون مؤسساً على أصول وضوابط وثوابت ومقاصد الدين الإسلامي.
أما المراجعة فهي مفتاح التجديد، لا يُتصوّر أن يقع التجديد إلا بوحي معصوم من الله وهذا منقطع إلى يوم القيامة أو يكون ذلك بمفتاح المراجعة وإعادة النظر والتحقيق والتدقيق والتصحيح، وتلك مَهمّة المُجدّدين غير المعصومين في كل عصر وزمان حتى قيام الساعة.
هل تذكرون ما كتبته في مقالاتي السابقة عن بعض الهفوات والزلات التي وقع فيها سلفُنا في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ممن كان يعتقد جازماً بحرمة آلة الساعة الزمنية والسيارة والعجلة الهوائية وآلة التصوير الفوتوغرافي والهواتف السلكية واللاسلكية وآلة التلغراف إذ كانوا يعتقدون أنّها رجس من عمل الشيطان حتى شكّك بعضهم في إسلام المنتفعين بها لاعتقادهم بأنهم يسخّرون الجنّ لنقل الخبر بلمح البصر، وأدرج بعضهم النظريات الفلكية الحديثة في قضايا العقائد الإسلامية فكفّر من قال بدوران الأرض حول الشمس كما شهد على ذلك شاهد العصر؛ الوزير القارئ الفقيه “حافظ وهبة” مستشار الملك عبد العزيز – رحمهما الله – في كتابه “جزيرة العرب في القرن العشرين”.
في ذلك الكتاب النفيس أشار المؤرّخ إلى الآثار السلبية لتلك الأحكام المحسوبة على الإسلام والتي حرمت المسلمين من الانتفاع بتلك الصناعات الحديثة لعقود من الزمان، وكم كان لها من آثار سلبية في تخلّف المسلمين عن اللحاق بركب الكافرين في زمن حَرِجٍ كانت فيه الدول الأوربية الاستعمارية تبتلع العالم الإسلامي ابتلاعاً بعد أن وقع الخلل الكبير في ميزان القوى والتقدّم الحضاري.
يا معشر المسلمين لا تكرّروا الأخطاء، ولا تصغوا إلى السفهاء، من لم يعتبر من التاريخ لا يستحقّ الحياة … يا ناس:
“لا يُلدغ المؤمن من الجُحر مرتين”
أفيقوا قبل أن تعضّوا أصابع الحسرة والندم