“توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودِرْعُهُ مَرْهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله، كان يأكل منه ويطعم عياله منه”
[رواه ابن عباس وأنس وأم المؤمنين عائشة وأسماء بن أبي بكر وغيرهم، وأخرجه البخاري وغيره في الصحاح]
الخبر متواتر مقطوع بصحّته، وجاء في بعض الروايات أنّ ثمن الشعير الذي اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم سلفاً لأجلٍ كان ديناراً واحداً، وفي رواية أنس:
“فما وَجَدَ ما يفتكّها [أي الدرع المرهونة] حتى مات”
وفي رواية الشعبي :
“أن أبا بكر الصديق افتك الدرع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وسلّمها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه”
الدرع المرهونة عزيزة على رسول الله اسمها “ذات الفضول” كانت من حديد موشّحة بالنحاس، وأما التاجر الذي استلف منه النبي صلى الله عليه وسلم فهو رجل يهودي معروف حليف الأوس لقبه “أبو الشحم”، وهذا الخبر الصحيح المتواتر فيه من الفوائد ما لا يُعدّ ولا يُحصى. وقد قلتُ مراراً إنّ النصوص المروية يجب أن تقرأ في سياقها الزمني والظرفي، وقد قيل : “إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرهن عند مياسير الصحابة حتى لا يبقى لأحد عليه مِنّة لو أبرأَه منه” لكن بالجملة فإنّ الخبر يدل على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرّ في آخر عمره بأزمة اقتصادية حادّة لها أسبابها وظروفها المعقولة فإنّ الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وكانوا يفدون إلى المدينة المنورة مهاجرين إلى الله ورسوله فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفق على فقراء المهاجرين من بيت المال ويردّ نصيبه من الخُمُس فيهم حتى أفلس ولم يبق له ديناراً ولا درهماً وهذا من دلائل النبوة.
“قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ”
لكن السؤال الذي تتجلّى به الحكمة من الخبر هو:
ألم يقل الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:
“وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ”
ألم يقل سبحانه وتعالى:
“وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم”
فلماذا لم يتّكل النبي صلى الله عليه وسلم على الفَرَج السماوي لفكّ الأزمة الاقتصادية يا من تزعمون أنّ الإسلام هو الحلّ ؟؟؟