قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” آيةُ الإيمان حُبُّ الأنصار، وآيةُ النفاق بغضُ الأنصار”
[رواه البخاري ومسلم]
الأنصار من قبائل الأوس والخزرج هم الركن المتين الذي بنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام وهم السقف المنيع الذي حافظ على كيان الأمة المسلمة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم.
قصة سقيفة بني ساعدة وما جرى فيها من أحداث شهيرة انتهت بعقد البيعة الأولى للخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه هي قصة متواترة في الكتب الصحاح وتواريخ الإسلام، لن آتي بجديد في تكرارها سوى التنبيه على بعض الملاحظات التي تُشكل على غير المتعمّقين في دراسة التاريخ الإسلامي ومقارنتها بالواقع .
إن الاجتماع الشهير لقبائل الأنصار في سقيفة بني ساعدة هو مطابق – تماماً – لما يعرف عند الأفغان بـ”اللويا جيرغا”، هو المجلس الأعلى، الكبير الجامع لزعماء القبائل!
فما حكاية السقيفة وما هي؟
في العهد النبوي كان المسجد النبوي الجامع هو ساحة الاجتماعات العامة والمشاورات العامة، إذا طرأ على المسلمين طارئ عام نادى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعرض عليهم الأمر ويشاورهم، كما حدث في حادثة الإفك قبل أن ينزل القرآن الكريم ببراءة أم المؤمنين رضي الله عنها صعد صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب العامّة وقال لهم:
“أشيروا عليَّ في أناسٍ أبَّنوا في أهلي “
[رواه البخاري ومسلم]
والمسجد النبوي كان في العهد النبوي سقيفة بلا باب ولا حاجب، قاعة مفتوحة للكبير والصغير، والرجال والنساء من المهاجرين والأنصار جميعاً فكان الجامع النبوي أفضل مكان للمشورة العامة، أما المشورة الخاصة مكانها خاصّ بخصوصها.
وكان – كما ذكرتُ في المقالات السابقة – لكل دارٍ من دور الأنصار بفروعها المتنوّعة مجالس قبلية خاصة بهم، وكانت دارُ بني ساعدة من بني الخزرج من أعظم وأكبر فروع الأنصار عدداً وشأناً، فكان لهم مجلس واسع كبير مظلّل بسقيفة يُقال لها سقيفة بني ساعدة، على طرفٍ من المدينة المنورة بعيد عن موقع المسجد النبوي وبيوت النبي حيثُ مات صلى الله عليه وسلم ضُحى يوم الاثنين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في حياته على علم بوجود تلك السقيفة، بل كان صلى الله عليه وسلم إذ ذهب ناحيتهم يجلس فيها ويستريح بظلالها ويشرب من لبن بني ساعدة رضوان الله عليهم كما في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي.
ولما مات سيّدنا سعد بن معاذ الأشهلي رئيس الأوس أصبح سعد بن عبادة الساعدي الخزرجي نقيبُ بني ساعدة رئيسَ الأنصار، ولذلك دفع النبي صلى الله عليه وسلم لواءَ الأنصار عامّة في المعارك الكبرى، ومن هنا يمكننا فهم الإشكال في اضطراب الأمر عند موت النبي صلى الله عليه وسلم. لأنّ جيش الدولة الذي أنفذه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام بإمرة أسامة بن زيد كان قد خرج وانفصل عن الناس وبلغ وادياً يُقال له خُشُب يبعد مسيرة ليلة عن المدينة المنورة، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه مشاغيل بغسل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق ومن معه مشاغيل بالبكاء على النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت الناس والردّ على المرجفين الذين ظنّوا أن عقد الإسلام قد انفرط بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الأنصار رضي الله عنهم فغلب عليهم الإدمان على “الجيرغا” كما وصفهم القرآن الكريم مادحاً في سورة الشورى، وكان سعد بن عبادة نقيب بني ساعدة ورئيس الخزرج طريح الفراش لم يخرج مع الجيش لمرضه فعجّل الأنصار – على عادتهم – فاجتمعوا به في سقيفة بني ساعدة، واضطرب أمرهم حتى كادوا أن يبايعوا له بالخلافة العامّة على عجل، فلما بلغ أبا بكر الصديق خبرُ اضطرابهم عجل إليهم هو وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة فوقع بينهم سجال وجدال مشهور انتهى ببيعة أبي بكر، وكان أول من بايعه من الأنصار بشير بن النعمان البدري الخزرجي فانكسر به إجماع الخزرج فتتابعوا على بيعة أبي بكر ، ثم بايع أسيد بن الحضير نقيب بني الأشهل ورئيسها بعد سعد بن معاذ فوثبت الأوس على أبي بكر فبايعوه قاطبة وذلك يوم الاثنين يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن تلك البيعة هي البيعة العامة بل كانت بيعة “اللويا جيرغا”.
لا يُعاب عليها بشيء إلا العجلة في حسم أمر عام ولا يخص الأنصار وحدهم دون غيرهم، فوقى الله شرَّ تلك الفلتة بحُسن الاختيار فمن مِثلُ أبي بكر رضي الله عنه؟
ثم رجع أبو بكر من دُور بين ساعدة فلما كانت صبيحة يوم الثلاثاء صعد المنبر في المسجد النبوي الجامع فبايعه الناس بيعة عامة كما في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه قوله:
“وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر”