قبل خمسة قرون ابتدع الشيخ نور الدين الكركري “اللبناني” للصفويين نظرية النيابة عن الإمام الغائب ولم تلبث أن اضمحلت الفكرة وماتت حتى جاء الخميني فأحياها تحت مسمى “ولاية الفقيه” وتعني باختصار القائم مقام الخليفة الغائب أو بعبارة أخرى نظام الخلافة الإسلامية بنسخة شيعية جعفرية وزعامة فارسية تسعى إلى الهيمنة على العالم الإسلامي، ولذلك فقد كانت حركة الخميني منذ نشأتها ذات أهداف استراتيجية بعيدة وواسعة جغرافيا، أكبر من قضية إيران وشاه إيران وأكبر من قضية القدس ولبنان والعراق ولبنان. وكأي حركة سياسية عسكرية عابرة للحدود والقارات فقد كان من الطبيعي أن يكون لها خصوم يضعون العقبات ويكافحون تمددها لكن الحركة نجحت حتى الأن في اقتحام العقبات وفك الحصار والحفاظ على حركتها وفق الأهداف الاستراتيجية التي وضعها مؤسسها الخميني فمات الخميني وأكمل خامئني وهي سنة البقاء ولن تجد لسنة الله تبديلا.
أما حركة الجهادي العالمي السُني الذي هزمت القوّات الروسية وتسببت في انهيار الامبراطورية السوفييتية قبل أن تتشكل في منظومة القاعدة بزاعمة ابن لادن فكانت أشرس وأنكى وأجرأ من الخمينية لكنها للأسف كانت تدور على الشخصية الجامعة لابن لادن وبعض معاونية دون حسبة الأهداف الاستراتيجية طويلة الأمد التي رسمها ابن لادن في خطبه العصماء أي كانت الحركة تعتمد في حياتها وبقائها على أشخاص معينين محدودين تموت بموتهم وتحيا بحياتهم وغير قادة على تصعيد القيادات الجديدة، وهي الثغرة التي ولج منها عدوّهم بسياسة الاغتيالات وقطف الرؤوس التي أدت إلى شل الحركة، وزاد الطين بلة أن الناجين بحياتهم من المحسوبين على القيادة العليا هم الفارون يوم الزحف إلى إيران الخصم المنافس، وهم الناكثون لعهد الله الذي عاهدوا به فقد كانت بيعة رئيسهم لأمير المؤمنين الملا عمر – رحمهما الله تعالى – على شرط:
“الدم الدم والهدم الهدم”
أي نقتل ونموت معكم وتهدم بيوتنا مع بيوتكم ولا نفارقكم أبداً، وهؤلاء – سامحهم الله – قاموا بالتغطية على فرارهم يوم الزحف باللمز والطعن على خطة ابن لادن حتى اتهموه بالتسبب في الإطاحة بالحكومة الإسلامية وتعاموا عن الأهداف الاستراتيجية والعميقة لما فعله.
صحيح أنني أعتقد ببطلان نظرية ولاية الفقيه ولا أدين بدين الجعفرية الرافضة لكنني أحلل هذا التأريخ من منظور سياسي وعسكري صرف بغض النظر على العقائد الدينية.