لما شاع حديثُ الإفك واتُهمِتْ أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالأمر الفظيع زوراً وبهتاناً تلقّف ناسٌ خَبَر الإفك بألسنتهم فأنزل الله تبارك وتعالى يعاتب المتعجّلين في نقل الأخبار بقوله:
“إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ وتحسَبونه هيّناً وهو عند الله عظيم”
ومن المعلوم أنّ “حمنة بنت جحش” أخت زينب أم المؤمنين رضي الله عنها كانت ممن تورّط بحديث الإفك، غارت حمنةُ لأختها فوقعت في فخّ الضرائر، ولذلك قال الفقهاء:
“لا يؤخذ كلام الضرائر بعضهم على بعض”
وقالوا:
“كلامُ الأقران يُطوى ولا يُروى”
ومما جاء في هذا المعنى ما رواه الخطيب البغدادي في الكفاية بإسناده عن شعبة بن الحجاج رضي الله عنه قال:
“احذروا غَيْرَةَ أصحاب الحديث بعضهم على بعض، فلهم أشدُّ غَيْرَةً من التيوس”
الغَيْرة طبعٌ جَبَلَ اللهُ الناسَ عليه وأكثر ما يكون بين الأقران وإنْ كانوا من أهل الديانة والصدق بل هم أشدّ غيرةً من غيرهم، ولذلك حذّر علماء الجرح والتعديل من جَرح الأقران بعضهم على بعض، ومنه نظمُ الحافظ السيوطي في ألفيته في علوم الحديث النبوي:
وجُوّز الجرحُ لصَوْنِ المِلّةِ
واحذرْ من الجرح لأجل علّةِ
وربّما رُدَّ كلامُ الجارحِ
إذ لم يكنْ ذاك بأمرٍ واضحِ
الميزان الأكبر؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا في مثل هذا أن لا نتعجّل بالظنّ لأنّ الظنّ أكذب الحديث..
وبالنسبة للصراع السياسي في تركيا فلستُ – والحمد لله – طرفاً في ذلك النزاع، أنا مجرد مسلم أسمع الأخبار وأراقب من بعيد، لستُ مع هذا ولا ذاك، لكنني أحذر أمثالي من المراقبين، أحذرهم من العجلة والتسرّع في القذف وإلقاء التهم قبل التثبّت والتبيّن فالبيّنة على المُدّعي واليمين على من أنكر … تذكّروا على الدوام أنّ للسياسية مكائدَ غائرة !
أقول بلا تحفّظ: الانقلاب مرفوض، ومن ضبط متلبّساً بالجرم المشهود أمره مفضوح، أما ما وراء ذلك فنحتاج إلى برهان ودليل ثم يكون لكل حادث حديث …