لن أبدأ بالوقائع التاريخية التي جرت بعد العهد النبوي كافتراق المسلمين في عهد الدولة العباسية إلى كيانات سياسية متفرّقة في الأمصار ، خلافة بني العباس في بغداد ، وخلافة الأدارسة من بني الحسن بن علي بن أبي طالب في المغرب ، وخلافة الأمويين في الأندلس . كل منهم إمام على بضع من المؤمنين ..
فالأولى أن نبدأ احتجاجنا بالشريعة الإسلامية المعصومة .
بالقرآن الكريم والسنة النبوية .
حادثة صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة النبوية ، مقطوع بصحتها وثبوتها .
أحداث يوم الحديبية مدونة في القرآن الكريم والسنن الصحاح بالأسانيد المتواترة ..
ما جرى في ذلك اليوم العظيم دليل قاطع على جواز افتراق المسلمين إلى أكثر من كيان سياسي .
لماذا ؟
الجواب : لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقر شرط الصلح الذي ينصّ على ردّ المؤمنين الذين يهاجرون إلى الله ورسوله من مكة المكرمة إلى الدولة الإسلامية ، وأن على الدولة الإسلامية تسليمهم إلى الدولة الكافرة التي تمارس الاضطهاد الديني .
سبحان الله ، كيف يغفل الناس عن هذا الدليل القاطع …
النبي صلى الله عليه وسلم كانت له السيادة والدولة في المدينة المنورة ..
وأئمة الكفر كانت لهم السيادة والدولة في مكة المكرمة ، كانوا يعذبون المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات بمكة المكرمة ..
سبحان الله !
اضطهاد ديني ، كانوا يكرهون المسلمين على الردّة عن الإسلام ، ويصدّونهم عن الهجرة إلى الدولة الإسلامية ….
اقرأ وتدبّر بنود الصلح …
النبي صلى الله عليه وسلم شرط شروطه …
والكفار شرطوا شروطهم …
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كاتب وثيقة الصلح ، يدوّن ويُسطّر بنود الاتفاقية وما يُملى عليه .
الحديث النبوي طويل سننتقي منه بعض ما جاء فيه والألفاظ التي أوردها من صحيح البخاري .
فاقرأ ما اشترط الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فأقرّه النبي .
سهيل كان كبير المفاوضين من جهة المشركين شرط على النبي صلى الله عليه وسلم شرطاً فأملى قائلاً :
” وعلى أنه لا يأتيك رجل منا وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ” .
قال المسلمون : سبحان الله ! كيف يُرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً ؟
فبينما هم كذلك دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين .
فقال سهيل : يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن تردّه إلي .
ومما جاء في الحديث قول أبي جندل رضي الله عنه : ” أي معشر المسلمين أُردّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلماً ، ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله ” .
تأمّل هذه الحادثة النبوية من صحيح البخاري .
ماذا يعني هذا بالمصطلح السياسي الحديث ؟
الجواب :
– يعني أنّ النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث للناس كافّة قد تنازل عن السلطة السياسية [ أو قل : الإمامة السياسية ، أو الولاية السياسية ، أو الإمارة السياسية ] التي تربطه بالمسلمين المقيمين بمكة المكرمة .
– ويعني كذلك إقرار اتفاقية تسليم المسلمين المهاجرين المجاهدين إلى الدولة الكافرة التي تمارس الاضطهاد الديني .
وبعد ذلك نسأل فنقول : ما هو الجامع الذي يربط المسلمين من أهل مكة بإمام المؤمنين ؛ أمير الدولة الإسلامية ؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التوقيع على وثيقة الصلح ؟
الجواب : بقيت أخوة الدين والولاية الدينية لقوله تعالى : ” إنما المؤمنون إخوة ” وقوله تعالى : ” قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ” ، ولقوله تعالى : ” أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه ” .
فافهموا يا أولي الألباب ..
وحدة الدين شيء ..
والوحدة السياسية شيء آخر ..
ثم انظروا بعد ذلك إلى النتائج المترتبة على صلح الحديبية .
وسيظهر لكم بالدليل القاطع كيف نشأ للمسلمين كيان سياسي آخر مستقل عن كيان الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ، وبه يتبيّن لكم جواز تعدد الإمامة السياسية ، وأن الخليفة لا يُشترط لصحة خلافته أن يكون إماماً للمسلمين عامّة ، فيجوز أن يكون إماماً لبضع من المسلمين …
وللحديث بقية …