عاهد النبي صلى الله عليه وسلم كفّارَ قريش على الوفاء بعقود صلح الحديبية فأقرّ العقد الذي ينص على ردّ المؤمنين المهاجرين وتسليمهم إلى السلطة الكافرة ، وهو ما يعني – في المصطلح السياسي – تنازل النبي صلى الله عليه وسلم ، إمام المسلمين عامّة عن الإدارة السياسية لبعض المسلمين .
قلّب الحديث النبوي كما شئتَ لا معنى له غير ذلك !
فأضحى حال المؤمنين بمكة المكرمة كمن قال الله سبحانه فيهم في سورة الأنفال : ” والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وَلايتهم من شيء حتى يهاجروا ، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ” [ الأنفال / 72 ] .
” ولايتهم ” قرأها حمزة بكسر الواو والباقون بالفتح ، قال بعض المفسرين : نزلت في الميراث أي ما لكم من ميراثهم من شيء وكانوا يتوارثون بأخوة الإسلام فنسخ ذلك ، وقيل : ليس لهم من الخمس والفيء شيء ، وقيل : ” الولاية ” من النُصرة ، وقيل : من التدبير والإمارة والسلطان .
وجماع ذلك في المصطلح الحديث معناه انتفاء الرابطة السياسية بين الدولة الإسلامية والذين آمنوا ولم يهاجروا .
لكن الآية من سورة الأنفال تتكلم عن صنف الذين آمنوا ولم يهاجروا ، أما وثيقة الصلح التي أقرّها النبي صلى الله عليه وسلم فتتكلم عن الذين آمنوا وهاجروا [ بعد الصلح ] من المناطق الخاضعة لنفوذ الحلفاء المشركين كمكة المكرمة إلى الدولة الإسلامية فانتبه لهذا الفارق .
فالمشركين اشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ردّ الذين آمنوا وهاجروا !
لذلك كره الصحابة رضي الله عنهم ذلك الشرط وامتعضوا وصاحوا قائلين :
سبحان الله
لِمَ نُعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا
كيف نردّ إلى المشركين وقد جاء مسلماً
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاء منهم إلينا فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ” .
النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الأمر من منظور المصلحة والمفسدة …
نظرة استراتيجية بعيدة المدى
وبهذا الكلام الطيب فتح النبي صلى الله عليه وسلم بابَ الفرج .
باباً لا يهتدي إليه إلا أولوا الألباب …
أتعلمون ما ذلك الباب : هو الرخصة – أو بعبارة حديثة – الضوء الأخضر لإنشاء كيان إسلامي سياسي مستقل عن الدولة النبوية …
أو بعبارة أخرى : الرخصة بتعدد الإمامة السياسية .
وللحديث بقية