سمعتُ أحد المثقفين يقول : ” هؤلاء الخوارج المتوحّشون المتعطّشون للدماء استنبطوا أفكارهم الدينية المتطرّفة من شريعة الغابة ، شيوخهم السباع والثيران والضباع ” .
فتذكرّتُ حين سمعت ذلك الكلام قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف :
” ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس ، لهم قلوب لا يفقهون بها ، ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ” .
ولنقف عند قوله تعالى :
” أولئك كالأنعام بل هم أضل ” !
هل يُعقل أن يوجد في الناس [ وهم الخلق الذين فضّلهم الله بنعمة العقل ] مَنْ هم أضل من البهائم العجماوات ؟
وهل ضرب الله لهذا الصنف مَثَلاً في القرآن الكريم وهو القائل : ” ولقد صرّفنا في هذا القرآن للناس من كلّ مَثَل ” .
والجواب تجده في سورة المائدة في قصة ابنَيْ آدم .
ومنها تعلم أنّ التحاسد والتباغض يعمي ويصمّ ويشلّ القدرات العقلية عن التفكير السليم كما أخبرنا الله تعالى عن ولدي آدم إذ قدّما قرباناً فتُقُبِّلَ من أحدِهما ولم يُتَقَبَّلْ من الآخر قال : لأقتُلنّك !
سبحان الله ..
البهائم تأكل لمنفعةٍ والسباع تقتل لِمَأْكلة فما الذي جناه ابنُ آدم من قتل أخيه ؟
الخلائق يتعلّم بعضها من بعض ، ويستنّ بعضها ببعض ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دَمِها لأنه كان أولَ من سنَّ القتل ” .
الأشرار تعلّموا الشرَّ والقتل من أخيهم الأكبر فتحمّل وِزْرَه وأوزارهم ، لكن ما الذي حدث بعد جناية القتل ..
ضرب ابنُ آدم أخاه فسفك دَمَه وأسقطه على الأرض قتيلاً ، ثم أصيب القاتل الغاضب الشرير بندم شديد فبرد غضبه وجلس يتأمّل ويتفكّر فيما صنع فعانق أخاه القتيل وضمّه إليه من شدّة الندم حتى أرْوَحَ ، أي فاحت رائحة الجيفة ، فعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله .
ابنُ آدم الذي كرّمه الله بالعقل أصيب بشيء من البلادة والغباء فلم يدر ما يفعل مع ما أبداه من ندَم وأسف فكان كالأنعام بل هو أضلّ ، فلما تردّى الفكر الإنساني لدى ذلك الشرير إلى الدرك الأسفل حتى أصبح أغبى وأضل من الأنعام كان من الطبيعي يأتي الله بمن هو فوقه بدرجة ليتعلّم من فقه الشريعة.
شاء الله تعالى أن يتعلّم بنو آدم شريعة الجنائز من كتاب الأسرار والعجائب ونقصد هنا أسرار الله في خلقه أي الطبيعة التي فطر الله الخلق عليها فأرسل الله غرابين أخوين ، فاقتتلا قريباً من ذلك الشرير النادم ، فقتل أحدهما صاحبَه ، فحفر له ، ثم حثا عليه ، فلما رآه ابنُ آدم قال :
” يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغرابِ فأواري سوأة أخي ”
فتعلم الشرير من ذلك الغراب شريعة الدفن .
وللحديث بقية