تبيّن مما تقدّم أنّ بعض ما يصدر عن مما يُستنكر له أصل من السنّة …
وتبيّن أن بعض ما يصدر عن المؤمنين والمؤمنات من شطحات تعبّر عن فرط الحبّ وحلاوة الإيمان هي شطحات عفوية فردية غلبَ خيرُها شرَّها …
لكن إبليس وما أدراك ما إبليس أبى إلا أن يلبّس على الصالحين دينهم فاتخذ من تلك شطحات باباً لإفساد الزاهدين فزيّن تلك الهفوات فاتخذوها منهجاً وجعلوا منها طقوساً دينية يغلبُ شرُّها خيرَها …
” وخُلق الإنسان ضعيفاً “
بدأ بعض المتطفّلين على الزهاد يتوافدون إلى مجالس الصوفية وليست لهم غاية إلا الأكل والشرب ..
يبادرون بالرقص قبل الذكر فرحين بالقصع والولائم ، حتى ازدحمت مزارات الصوفية بالأكَلَة البَطَلة والمشعوذين والدجالين والمعتوهين ففعلوا الأفاعيل وبهم كثر الزيغ والانحراف …
وقد ذكر المؤرخون أنّ شيخاً صوفياً زاهداً يُدعى ” مكيّ ” كانت له زاوية ببلدة في العراق قرب تكريت يقال لها ” البوازيج ” وذلك في نهاية القرن السادس الهجري ، فكان يَرِدُ عليه الفقراء فيُولِم لهم ويُطعمهم أشهى المأكولات – جزاه الله خيراً – فلما شاع الخبر في الناس حج إلى زاويته الفقراء من كل حَدَب وصوب فعرفت الزاوية بزاوية الفقراء ، ثم غلبوا عليه فاستحالت زاويته إلى مرقص ومرتع لمن هبّ ودَرَج ، فكتب فقيه الموصل القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر قصيدة بعث بها إلى الشيخ الزاهد ” مكي ” قال فيها :
ألا قُل لمكي قولَ النصوح وحقٌّ النصيحة أنْ تُستَمع
متى سمع الناسُ في دينهم بأنّ الغِنــــا سنّــةٌ تُتَّبـــــع
وأن يأكل المرءُ أكلَ البعير ويرقُصَ في الجمع حتى يَقَع
ولو كان طاوي الحَشا جائعاً لمــا دارَ من طَرَبٍ واستمع
وقالوا سكرنا بحبّ الإلـــــه وما أسكر القومَ إلا القِصَع
كذاك البهائــــــمُ إنْ أشبعت ينقّزُها ريُّـــهــــا والشَبَـــع
فالأمر يحتاج إلى ضرب وربط ومزيد من الإصلاح … والله من وراء القصد