لعلّكم سمعتم بمجلس الأعيان الأفغاني المعروف باسم
“لویَه جَرگه”
للتقريب هو مجلس أعلى نظير مجلس الشيوخ أو مجلس النواب أو مجلس الأمة لكن بنظامٍ وطابع قَبَلي.
دواعش “خراسان” يخوضون في أفغانستان هذه الأيام حملة تكفير مسعورة لا تهدف – فقط – إلى استباحة دماء الناس وترويعهم بالذبح والتفجير بل تهدف إلى بثّ الفتنة وزعزعة عقائد المسلمين في ذلك البلد المسكين الذي يعاني الفقر والجهل وآثار الحروب المتوالية. “والفتنةُ أكبرُ من القتل”
في كلّ يوم تطلع الدواعش على الناس بغريبة من نوادر الدهر حتى أصبح الناس هناك يترحّمون على شطحات الطالبان وغرائب الطالبان ..
هذه الأيام خرجوا على الناس بشبهة خارجية مِنَ الطِرْزِ القديم بثوب جديد فقالوا للناس:
“إنّ مجالس “اللويا جيرغا” من الكفر البواح المخرج من ملّة الإسلام، وأن كلّ من يؤيّد تلك المجالس أو يشارك فيها أو ينتخب أعضاءَها أو يلتزم بما يصدر عنها هو كافر مرتد عن دين الإسلام، حلال الدم والمال، لا حكم إلا لله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” ؟؟؟
فلتةٌ قريبة من شُبهة الخوارج الأوائل الذين اعترضوا على مجلس التحكيم فخرجوا على الأمة المسلمة وكفّروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستباحوا دمَه بقولهم :
“لا حكم إلا لله”
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ردّ عليهم كما تعلمون بقوله:
“كلمة حقّ أريد بها باطل”
فكذلك نقول للدواعش: إنّ ما تغلّفون به شبهاتكم الخارجية من آيات قرآنية وأحاديث نبوية هي كلماتُ حق أريد بها باطل.
المشكلة ليست في مجانين الإنس من الدواعش ونظرائهم من خوارج العصر !
المشكلة الحقيقية – من وجهة نظري – تكمن في المنابع والمصانع الخفية لتلك الجراثيم الفتّاكة وأعني بهم: “عقلاءَ المجانين” الذين يتستّرون بلبوس الوَسَطِيّة ليفلتوا من العقاب والمساءلة، ثم يقومون بتلقين شبهاتهم ونظريّاتهم المسرّبة من تحت عباءة الاعتدال ليحملوا عنهم المجانينُ أوزارَهم في استباحة الدماء والأعراض. هنا مكمن الشرّ.
خُذْ على سبيل المثال، أصدر المكتب الإعلامي في أفغانستان التابع لـ”حزب التحرير” بياناً إلى الشعب الأفغاني يتعلّق بمجلس اللويا جيرغا، نُشر مترجماً إلى العربية على الموقع الرسمي للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير ، أسرد عليكم بعضاً مما جاء فيه، يقول :
“على الشعب في أفغانستان أن يلتفت إلى النقاط التالية بناء على السياسة الإسلامية:
1 – “الجيرغا” هي عرف أفغاني بدأ تاريخياً في زمن كانيشكا، ما يدل على أنه ليس نابعاً من الإسلام بل هو استمرار لعرف جاهلي.
2 – لا يجوز مقارنة الجيرغا بالشورى؛ لأن حكم الشورى محصور في أخذ الرأي فيما تمارس الجيرغا من سياسات وتتخذ قرارات مبنية على غير ما أنزل الله. فدور الجيرغا تحت مظلة الاستعمار كان يتمثل في البحث عن طرق لعقد سلام مع المحتلين وإعطاء شرعية للاحتلال، أما حكم الشورى في الإسلام فيقتضي وجود كيان استشاري يقدم النصيحة للخليفة والخليفة يتخذ قرارات تبعاً لما أنزل الله” اهـ
إلى آخر ما جاء فيه …
فتأمل – بالله عليك – كيف أقحم البيانُ اسمَ “كانيشكا” في البند الأول من النقاط التي يجب على الشعب الأفغاني أن يلتفتوا إليها …
“كانيشكا” أتعلم من يكون هذا ؟
كانيشكا الملك العظيم ، حاكم كابول ونواحيها قبل تسعة عشر قرناً من الزمان ، أي قبل من بعثة الإسلام !
صدّق أو لا تصدّق ..
وبالطبع كان كانيشكا وثنيّاً وفي رواية أخرى على المذهب البوذي …
وبالطبع كذلك نرى المسلم الساذج الجاهل يُصاب بشلل فكري وعقلي حين يعلم أن الأمر يتعلق بطاغية وثني من القرن الثاني للميلاد.
البيان المصاغ بخبث افتتح الخطاب بتلك المعلومة الصادمة ثمّ غلّفها بغلاف الحرص على سيادة أفغانستان وصيانة دين الشعب الأفغاني وعقيدته الإسلامية ! وتلك وجهة نظر مقبولة معقولة في الجملة.
لكنّ البيان من خلال النقطة الأولى ضرب ضربة تكتيكية تحت الحزام لمؤسسة تُعتبر من دعائم الاستقرار والتفاهم الأفغاني، وذلك ببثّ شبهة خبيثة مُدلَّسة ملخّصها أن مجلس “اللويا جيرغا” هو باطلٌ من الأساس لأنه من أعراف الجاهلية ولا يمتّ إلى الإسلام بصلة.
وهذا بالطبع لا يلفت نظر المغفلين من الشعب الأفغاني فحسب بل يلفت نظر الأشرار من الدواعش الذين يبنون على تلك النقطة تصوّرات وأحكاماً لا حصر لها – عندهم – في استباحة الدماء والأعراض..
للحديث بقية