إنّ لعبة توظيف النبوءات وتركيبها على الواقع لخدمة الأهداف السياسية أو الماليّة هي حيلةٌ معروفة منذ قديم الزمان الغابر، وهي صنعة لا يتقنها إلا دهاة الدجاجلة، ويُقال إنّ المختار بن أبي عبيد الثقفي كان أول من سَنَّ “الدجل الديني” أو الاحتيال المنهجي في توظيف النبوءات لأغراض سياسية، ثمّ تبعه الناس لمّا رأوا نجاحه الباهر في تحقيق المكاسب الخارقة للعادة.
هذه الحيلة – للأسف – لا يُحسنها المغفّلون من أمثال البغدادي أو جهيمان أو شكري مصطفي أو عبد السلام ياسين وأمثالهم من الدراويش لأنّ “الدجل” كصنعة السحر أو لعبة الشطرنج تحتاج إلى قدرٍ كبيرٍ من الخبث والمكر والخفة والمرونة والذكاء !
والتاريخ الإسلامي يشهد بأنّ الدهاة – وحدهم – هم من يُحسن اللعب بحيلة النبوءات كما فعل “المهدي بن تومرت” مؤسس دولة الموحدين الذي أطاح بدولة المرابطين في المغرب الأقصى، ومن قبله بنو العباس في توظيف مأثورات الرايات السود لإسقاط الدولة الأموية.
أما الغبيُّ الدرويش المغفّل فلا يُفلُحُ حيثُ أتى، وقد تنقلب الحيلة عليه كما ينقلب السحرُ على الساحر، وأمثلة ذلك من التاريخ كثيرة جدّاً وخير أنموذج لذلك ما حصل للأغبياء المغفّلين من أمراء المسلمين سنة 617 هـ حين سعوا إلى التستّر على فضيحة الفرار يوم الزحف بإشاعة نبوءة يأجوج ومأجوج، لتبرير انهزامهم في المعارك الأولى ضدّ المغول، فكان عدوّ الله وعدوّهم “جنكيز خان” أفرح الفَرِحين بالنبوءات القرآنية والنبوية لأنها أدّت إلى انهيار الروح المعنوية عند المسلمين، وسقطت مدائن الإسلام واحدة بعد واحد حتى سقطت “بغداد” عاصمة الخلافة، ولم يفق المسلمون من غفلتهم حتى فات والأوان !