سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه كان خازن النبي صلى الله عليه وسلم أي بمنزلة وزير المالية أو وزير القسمة لأبي القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله يقول : ” ما أعطيكم ولا أمنعكم ، إنما أنا قاسم أضع حيثُ أُمرتُ ” .
فكان بلال من أعلم الصحابة رضي الله عنهم بفقه الغنائم وقسمتها ، وقد أنزل الله تعالى تشريعات محددة في قسمة الغنيمة فقال جل وعلا : ” واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ” الآية ، وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه في غزوهم إلى بعير من المقسم ، فلما سلّم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة من البعير بين أنمليه فقال : ” إنّ هذه من غنائمكم ، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم “.
فمضى التشريع على ذلك ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الغنيمة على خمس فيخرج الخمس ثم يقسم أربعة أخماس على المجاهدين ، لا يغلّ منها شيئاً وقد قال الله تعالى : ” وما كان لنبي أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ” الآية .
فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم حصن خيبر عُنوةً كان ملحقاً بالحِصن سوادٌ فلاحي أي أرض زراعية ، وكانت أرض استثمارية ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فأغناهم الله حتى قال ابن عمر : ” ما شبعنا حتى فتحنا خيبر ” ، وقالت عائشة أم المؤمنين : ” لما فُتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر ” .
ومضت السنة على ذلك حتى فتح المسلمون بلادَ الشام والعراق ومصر عُنوةً في فترة وجيزة بعدد قليل من المقاتلين فوجدوا فيها أرضاً فلاحية زراعية لو جُمعت العرب في بقعة من بقاعها لغابت فيها لكثرة ما فيها من الشجر والنبات فسمّوها ” أرض السواد ” .
فلما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عظَم فاء الله به على الأمة الإسلامية في فترة وجيزة بعدد قليل من المقاتلين استبدل نظام القسمة والتخميس بنظام الخَراج ، وهو قانون ضريبي وضعي كان معروفاً لدى الأمم العظمى كفارس والروم ، فلما فعل ذلك عارضه جماعة من فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم ، وقاد تلك المعارضة سيّدنا بلال فقال لعمر:
” لتقسمنّها أو لنضاربنّ عليها بالسيف ” !!!
فأجابهم عمر بن الخطاب بقوله :
” لولا آخر المسلمين ما فتحتُ قريةً إلا قسمتها كما قسَم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ”
رواه البخاري والبيهقي .
حجة عمر رضي الله عنه في ذلك الخلاف أن تلك الأمصار الواسعة قد فتحها الله عنوة بعدد يسير من المقاتلين المجاهدين ، كما حصل لعمرو بن العاص إذ خرج بأربعة آلاف مقاتل ليغزو مصر فأتبعه أمير المؤمنين بمثلها ففتح الله عليهم مصر بما فيها من سواد فلاحي كان من أخصب بقاع الدنيا ..
تلك الفتوحات التي عُرفت بالفتوحات العمرية كانت أشبه بالمعجزات السماوية …
ولو قسم عمر ذلك السواد العريض على عدد يسير من الأمة الإسلامية لتحوّل النظام الاقتصادي للأمة الإسلامية إلى نظام إقطاعي يتوارثه عدد يسير من أبناء الفاتحين فلا يبقى فيه لآخر المسلمين شيء . ولذلك رأى عمر أن الوضع الجديد يحتاج إلى التجديد أي إلى قانون جديد يصب في مصلحة المسلمين .
لكن المحافظين – كالعادة – صعب عليهم تقبّل التحديث فكتبوا إلى عمر بن الخطاب :
” إن هذا الفيء الذي أصبنا لك خمسه ، ولنا ما بقي ، ليس لأحد منه شيء كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ”
فكتب عمر رضي الله عنه إليهم :
” إنه ليس على ما قلتم ، ولكني أقفها للمسلمين ”
[ وفي رواية : تريدون أن يأتي آخر الناس ليس لهم شيء ]
فراجعوه الكتاب وراجعهم ، فلما أبوا قام عمر رضي الله عنه فدعا عليهم ، فقال :
” اللهم اكفني بلالاً ، وأصحاب بلال ”
قال الراوي فما حال الحَوْلُ عليهم حتى ماتوا جميعاً .
أخرجه البيهقي والقاسم بن سلام وابن زنجوية في كتاب الأموال .
وقبل أن نختم المقال نذكّر القاري بأن ” بلالا ” كان له مقام جليل في نفس سيّدنا عمر رضي الله عنهما والخلاف في وجهات النظر طبيعة بشرية . وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب كان يقول : ” أبو بكر سيّدنا وأعتق سيّدنا بلالاً ” وفي رواية : ” لو أن أبا بكر لم يفضلنا بشيء إلا أنه أعتق سيّدنا بلالاً ” .
رضي الله عنهم جميعاً