إنْ كان فرسان الهيكل موصوفين بالديانة ووالوفاء بعهد كما شهد على ذلك مجلس شورى المسلمين بقيادة السلطان صلاح الدين الأيوبي ، وأقرّه المؤرخ الفقيه ابن الأثير في كامله ، فقد ذكر ابن الأثير فصيلاً آخر من فصائل الحملة الصليبية الثالثة شهد له المسلمون بخصلة حميدة أخرى هي القوة والشجاعة .
وتلك بلا خلاف من الخصال الحميدة في الحرب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “المؤمن القويٌّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف”، رواه البخاري في صحيحه وفيه كذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ بالله من الجُبْن ، والجُبن نقيض الشجاعة.
كانت الحملة الصليبية الثالثة في القرن السادس الهجري تتألف من جيوش متنوعة قدمت من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، كلّ جيش يقوده ملك من ملوك الفرنج اجتمعوا على غزو بلاد الشام من البرّ والبحر في عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي، وقد صوّر المؤرخ ابن الأثير حالَ المسلمين في مواجهة تلك الحملة الصليبية الشرسة بكلمات لخصّها بقوله :
” فكان حال المسلمين كما قال الله عز وجل : “إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً” اهـ .
يذكر المؤرخون عن تلك الواقعة أن الفصيل الألماني المكوّن من عشرات الألوف من الفرسان والمشاة الألمان انطلق برّاً بقيادة الملك فريديك الأول “بربروسا”، وكان ملكاً مطاعاً معروفاً بالبأس والشجاعة فشاء الله أن يسقط عن فرسه وهو يعبر نهر كاليكادوس في طريقه إلى الشام وكان مثقلاً بالحديد والدروع فغرق في النهر وخلفه غيره حتى دخلوا الشام من أعلاها [تركيا حاليا] ، وفي تلك الفترة الزمنية كان المؤرخ ابن الأثير مقيماً في مدينة “الموصل” فوصل إليه أمير من أمراء السلطان صلاح الدين قادماً من ساحات المواجهة فروى للوزير المؤرخ ابن الأثير شدّة ما رأوه من الألمان وحال المسلمين لما علموا بقدوم الجيش الألماني، دوّنها ابن الأثير في كتابه الكامل بقوله [ج 9/208] :
” فقال [أي أمير الجُند] : لما وصلت الأخبار بوصول ملك الألمان أيقنّا أننا ليس لنا بالشام مُقام “.
كما كشف ابن الأثير رحمه الله في موضع آخر عن سرّ شدّة خوف المسلمين من الجنود الألمان فقال [ج 9 /207] :
“في هذه السنة [ أي سنة 586 هـ ] خرج ملك الألمان من بلاده وهم نوع من الفرنج من أكثرهم عدداً وأشدّهم بأساً”. اهـ
وذكرت بعض كتب التاريخ من الجانب الآخر أن بعض جنود الحملة الألمانية قد ارتدوا عن المسيحية إلى الوثنية بعد غرق ملكهم … فالمشكلة لا صلة لها بدين حقّ ولا دين باطل، ولا هتلر ولا فاشية .. هذا النوع من الفرنج من يوم يومه خطير .
هذه المقدّمة اللطيفة مدخل تاريخي لفهم الحالة الداعشية !
نعلم أن أحداث الأسنان من الشباب والمراهقين السفهاء يعجبهم البطل الشجاع المقدام الصادق الثابت وربما كان ذلك سبباً لفتنتهم …
حين نقول إنّ البغدادي ومن معه من الدواعش هم الأصدق قولاً من زعماء القاعدة وغيرهم ، وهم الأشدّ بأساً، والأنكى بطشاً، فإنّ ذلك لا يعني أنهم على الحقّ.
هذا حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم
وللحديث بقية …