إن كانت كلمة الصوفية مشتقة من الصفاء أي صفاء القلب فالتصوّف بهذا المعنى كلّه خير ، وقد قال الحق سبحانه :
” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلب سليم ” .
وإن كان التصوّف مشتقاً من الصوف أي لبس الصوف ، للدلالة على الزهد والتقشّف واجتناب اللعب والملاهي واعتزال الدنيا والإقبال على الآخرة ، فالتصوف بهذا المعنى فيه وفيه .
وعلى أيٍّ فإن الإغراق في التنقيب على الصفاء القلبي ، والتعمّق في التقشّف الجسدي واعتزال الدنيا إن لم يكن مضبوطاً بالكتاب والسنة ، مشبّكاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوصى الجنيد رضوان الله عليه فإنه قد يؤدي إلا مزالق خطيرة ، وشطحات مضلة في اتجاهات متنوعة ، فقد يفضي الشطط إلى الغلو والتكفير واستباحة الدماء وقد يفضي إلى نقيضه .
وتأمّل معي ما رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” إنّ ما أتخوّف عليكم رجلٌ قرأ القرآن حتى إذا رُئيت بهجتُه عليه ، وكان ردئاً للإسلام اعتراه [ وفي لفظ : اعتزل ] إلى ما شاء الله فانسلخ منه ، ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك ” !
قال : يا نبيّ الله أيهما أولى بالشرك : المرمي أم الرامي ؟
قال : بل الرامي !