عبد السلام ياسين نقض غزلَه بيده

مع مطلع الألفية الثانية كانت القاعدة تخوض حرب الرايات السود لتمكين المهدي المنتظر في المشرق، وكان عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان يتأهّب لعودة خلافة النبوة من المغرب ، فترقّب “الفرصة السانحة” لقَوْمَة الطوفان، مما أنذر بفتنةٍ غوغائية لا تُبقي ولا تَذر.

فوقى اللهُ شرَّ الفتنة بحكمة الملك الشاب في المغرب الأقصى، ومن رحمة الله بالمغاربة أنّ الله قد خصّهم بسلطانٍ خَليقٍ للمُلْكِ ليس بالضيّق، الحَصِر، العَقِص، العُصعُص، المتغضّب(*)، ورث حُسن السياسة أباً عن جَدّ، فخلّا سبيلَهم، ودافع خصمَه بالتي هي أحسن، ووكَل نبوءاتِه إلى الله ما لم تتورّط جماعته بحمل السلاح وسفك الدماء، فكان الأمر على ذلك حتى ارتكب عبد السلام ياسين أغبى غلطة – على الإطلاق – في تاريخ الحركات الإسلامية السياسية في العصر الحديث !!

علّق الشيخ عبد السلام ياسين مصير الحركة بنبوءة عودة خلافة النبوة – كما فعلت داعش حذو القذّة بالقذة – وزاد عليهم أمراً غريباً عجيباً وهو الجزم  بتوقيت النبوءة، وحصرها في عام محدود موعود هو العام 2006، وزعم أنّ “الغَيْبَ” قد تجلّى له بسَيْلٍ من النبوءات المنامية، فرفع بالبشارة الغيبية رهانَ التحدّي كما رفع أبو بكر الصديق رضي الله عنه الرهانَ بنبوءة الروم من عشرة إلى مائة !

“كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ، كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ”

[سورة الرعد – آية 17]

رفع عبد السلام ياسين درجة الرهان والتحدّي فجعل من العام 2006 عامَ الحسمِ بين المؤمنين بالغيب، والكافرين بالغيب، وأقسم بالله:

“إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ . وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ . إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا . وَأَكِيدُ كَيْدًا . فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا”

حَجَّرَ بحماقته واسعاً، وضيّق الزمان على أنصاره فأخزاهم وهتك بيده ثلاثين عاماً من الجهد والمشقة ….

تمهّل المغاربة حتى جاء العام الموعود؛ وحبس المراقبون أنفاسهم، ساعة بساعة ويوماً بيوم، وهم في حَيرة الخلاف القديم:

من العظماء أم المجانين ؟

فقضي العام الموعود ولم تتحقق نبوءة عودة الخلافة في الأجل الموقوت، بل لم تقم لياسين قَومة ولا قيامة !

  كانت – وأيمُ الله – كهُدبَة الثَوب، قضي معها الخلاف في التشخيص الطبي كما قضي الخلاف القديم في “خرقاء مكّة”، وهي امرأة حمقاء معروفة في قديم الزمان كانت تجلس على قارعة الطريق بمكة المكرمة فتغزلُ الثياب، والناس ينظرون إليها ويتعجّبون من حُسن صنعتها فيقولون:

ما أعقلها !

[ مِنَ العظماء ]

فإذا فرغت من الغزل هتكت ثوبها بأسنانها ونقضت غزلها بيدها، فيتعجّب الناسُ من غبائها فيقولون:

ما أحمقها !

[ من المجانين ]

خرقاء خلّد اللهُ حماقتها إلى يوم الدين فأنزل في كتابه المبين:

وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا”

صدق الله العظيم

[سورة النحل / آية 92]

 عصم الله العقلاء وغرقت سفينة ياسين

في طوفان الكذب والزور

عودوا إلى زواياكم ومساجدكم واستغفروا الله ..

ما لكم وللسياسة !

دعوها إنها مُنتِنة

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* بمثل هذا الوصف، أثنى عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – على حُسن سياسة خصمه معاوية – رضي الله عنه – في تدبير الشأن العام والتعامل مع الخصوم كما رواه ابن عساكر في التاريخ، و”العُصعُص” يعني النكِد قليل الخير، كما جاء في كتاب “النهاية في غريب الحديث والأثر” للحافظ ابن الأثير. 

نسخة للطبع نسخة للطبع