العلّة : سببٌ خفيٌّ في الحديث يوجب ضعفَه …
والحَمْل في هذا الخبر المكذوب على داود بن إبراهيم الواسطي القزويني المتهم بالكذب وإن وثّقه الإمام الصدوق ، المريض بالجذام والنسيان ؛ أبو داود الطيالسي !
الإمام أبو داود الطيالسي صاحب المسند الشهير كان شيخاً سُنيّاً ، صدوقاً حافظاً لا يتعمّد الكذب ، لكنه مرض بالجذام في سِنِيِّ الطلب .
وما أدراك ما الجذام وما يفعل الجذام في الأزمنة الغابرة قبل اكتشاف اللقاحات والأدوية الحديثة … يسري في عروق الجبهة ويمضي إلى العينين والأطراف والحواس فيتلفها ويأكلها أكلا ..
بالطبع ! لم يعد الطيالسي الصدوق قادراً على معاهدة كتبه والاعتماد عليها فاتكل على حفظه ، فوقع في الخطأ والغلط والتخليط عن غير قصد … وهو نفسه كان يعترف بذلك …
هنالك روايات كثيرة تدلّ على ما تقدّم ، لم ينكر ذلك حتى أقرب المقرّبين إليه ممن شهد له بالحفظ كالإمام أحمد بن حنبل ، وقد روى البغدادي في التاريخ عن أبي مسعود قال كتبوا إليّ من أصبهان أن أبا داود أخطأ في تسعمائة أو قالوا : ألف ، فذكرتُ ذلك لأحمد بن حنبل فقال : ” يُحتمل لأبي داود ” .
وعلّق البغدادي عليه بقوله : ” كان أبو داود يحدث من حفظه ، والحفظ خوّان فكان يغلط مع أنّ غلطه يسير في جنب ما روى على الصحة والسلامة ” .
نقول : إذا قارنا ما غلط فيه بما رواه على الصحة والسلامة فإننا نسلّم بأنه قليل من كثير لأنه حدّث بما ينيف عن أربعين ألفاً !!
لكن إن أفردنا ما أخطأ فيه على حدة وتذكّرنا بأن الأمر يتعلّق بأحاديث تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالخطأ كثير بل كثير جداً …
ولذلك كان للإمام الناقد أبي حاتم الرازي رأي آخر في الطيالسي فقال : ” أبو داود الطيالسي محدّث صدوق كان كثير الخطأ ” .
هذا النقد يُعرف عند أهل الفن بالجرح المفسّر …
وهو جرح مفسّر ممزوج بشيء من التوثيق لأن الرجل لم يكن يتعمّد الكذب وهو نقد من خبير دقيق الفطنة .
ويشهد له ما صحّ عن الإمام الثبت الحافظ أبي إسحاق الجوهري صاحب المسند وشيخ الإمام مسلم أنه قال : ” أخطأ أبو داود في ألف حديث ” .
بل قيل في الطيلساني ما هو أشد !
فقد روى ابن عدي في الكامل بالسند الصحيح عن محمد بن المنهال الضرير قال قلت لأبي داود صاحب الطيالسة يوماً : سمعتَ من ابن عون شيئاً ؟
قال : لا .
قال : فتركته سنةً ، وكنتُ أتهمه بشيء قبل ذلك حتى نسي ما قال ، فلما كان سنة ، قلتُ له : يا أبا دود سمعتَ من ابن عون شيئاً ؟
قال : نعم !؟؟
قلتُ : كم ؟ قال عشرون حديثاً ونيف ، قلتُ : عدّها عليّ فعدّها كلها ، فإذا هي أحاديث يزيد [ قال ابن عدي يعني يزيد بن زريع ] ما خلا واحداً له لم أعرفه ” . اهــ
ثم نظرنا في شيخ الطيالسي [ راوي حديث عودة الخلافة على منهاج النبوة ] ” داود بن إبراهيم الواسطي ” .
الطيالسي لما روى الحديث عن الواسطي قال : وكان ثقة .
فمن يكون داود الواسطي ؟
الطيالسي كان يحب الإكثار من الشيوخ وهو القائل : ” كتبتُ عن ألف شيخ ” ، وكان يقول : سمعتُ من شعبة سبعة آلاف حديث …
أما داود بن إبراهيم الواسطي الذي انفرد الطيالسي بتوثيقه وتبعه ابن حبّان ، فلم يروِ عنه – فيما بلغنا – إلا حديثاً واحداً ؟
هل تعلم من يكون الواسطي … ؟
الواسطي شيخ من أقران الطيالسي محدّث متهم بالكذب يروي شيوخ الطيالسي ؛ شعبة بن الحجاج وطبقته من شيوخ العراق …
“داود بن إبراهيم” شخص ماكر وصولي جمع بين الدين والسياسة كان من شيعة بني العباس تحوّل من العراق إلى قزوين فولي فيها القضاء وكان مُسنداً يحدّث أهل قزوين بالأحاديث النبوية عن شيوخ العراق ، وإذ كان كذلك فالرجل بلا شكّ كان ثقة عند بعض الناس … ومنهم الطيالسي .
وهل يلي القضاء في الدولة الإسلامية غير الثقة المأمون ؟
قف ولا تعجل في التصحيح واقرأ بقية الحكاية …