كان الإمام أحمد بن حنبل يقول:
“إذا ذُكِرَ الحديثُ فمالِكٌ النجم”
وأنا أقول هنا:
“إذا ذُكِرَتْ عجائب الدنيا فمصر النجم”
لا يَنْفَسُ على المصريين في عجائب آثارهم أُحدٌ من السودان ولا غيرهم من بلاد الدنيا، وتلك حقيقة ملموسة مُسلّمٌ بها ومبصوم عليها.
لكن القضايا التاريخية الخلافية لا يمكن التحقّق منها في جوٍّ مغبر بعَجاجة فوضى الربيع العربي، والإعلام المصري – للأسف الشديد – يمرّ في هذه الأيّام بمرحلة تشبه حركة التدمير الذاتي كالذي يتخبّطه الشيطان من المَسّ.
أما بالنسبة لما نُسب إلى وزير الإعلام السوداني عن فرعون موسى فلا يستند إلى دليل معقول أو منقول أو مأثور، صحيح أن الحضارتين المصرية والنوبية كان بينهما اشتراك في شتى مجالات الحياة لكن هذا التخصيص يحتاج إلى إثبات ودليل ملموس، وأظنّ أنّ الأمر يتعلّق بمهاترة ومُكايدَة من قبيل قول الشاعر عمرو بن كلثوم في معلّقته:
ألا لا يَجْــهَلَنْ أحدٌ علينا
فنجهلُ فوقَ جهلِ الجاهلينَا
إنّ الأنهار المذكورة في قصة فرعون موسى بصيغة الجمع وهي حجة الوزير في سودانية فرعون لأنّ مصر ليس فيها سوى نهر واحد، هي في الراجح الأصح: أنهار الدلتا عند مصبّ النيل، من الخلجان والترع التي حفرها الفراعنة في الجزء الشمالي من مصر كما ذكرته في مقال سابق عند ذكر ثناء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على فراعنة مصر !
لكن هنالك فرضية أخرى هي الأقرب للمعقول والمنقول، تسعدُ السودان وتُذهب عنهم الأحزان.
فبناء على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والتقاسيم الجغرافية يمكن القول بأنّ “السوداني” كان نبي الله “الخَضِر” صاحب موسى – عليهما السلام – وكان أعلم أهل الأرض بالله كما جاء في الحديث النبوي الصحيح، وقصته في القرآن، عثر عليه موسى بعد رحلة بحثٍ طويلة فوجده على صخرة عند مجمع البحرين، فالصخرة هي على الراجح – جزيرة “توتي” الواقعة في مدينة الخرطوم عند ملتقى النيلين وهي “دُرّة النيل” كما وصفها الشاعر المصري أحمد شوقي، والعرب تقول للنهر كبير العريض الدائم : بحرٌ !
فتلك محطّة اللقاء المحمود لأعظم رحلة سياحية عرفها التاريخ الإنساني:
“إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا”
… الآيات
وهذا يغني “الزول” عن المفاخرة بفرعون موسى أو محاولة تبديل جنسيّته مكايدة بأحمد موسى وأمثاله لأن الكتب السماوية كلها قد أجمعت على ذمّه دون سائر الفراعنة.
فرعون موسى أطغى الملوك وأجهل أهل الأرض بالله ولذلك أمر وزيرَه بإطالة المقاييس فقال:
“يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ”
عرفتم الآن سبب الشموخ والعلو، افهموا قبل أن تقايسوا، الحكاية من الآخر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار:
“أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبيِّ إلى رِحالكم”